قوله عز وجل{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } في الأسف خمسة
أقاويل:
أحدها: أنه المتأسف على فوت ما سلف قاله علي بن عيسى.
والثاني: أنه الحزين، قاله ابن عباس.
والثالث: هو الشديد الغضب، قاله الأخفش.
والرابع: المغتاظ، قاله السدي.
والخامس: النادم، قاله ابن قتيبة.
وفي غضبه وأسفه قولان:
أحدهما: غضبان من قومه على عبادة العجل؟ أسفاً على ما فاته من مناجاة
ربه.
والثاني: غضبان على نفسه في ترك قومه حتى ضلوا، أسفاً على ما رأى في
قومه من ارتكاب المعاصي.
وقال بعض المتصوفة إن غضبه للرجوع عن مناجاة الحق إلى مخاطبة الخلق.
{ قَالَ بِئْسَ مَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدي } يعني بعباة العجل.
{ أَعَجِلْتُم أَمْرَ رَبِّكُمْ } فيه قولان:
أحدهما: يعني وعد ربكم الذي وعدني به من الأربعين ليلة، وذلك أنه قَدَّروا
أنه قد مات لمَّا لم يأت على رأس الثلاثين ليلة، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: وعد ربكم بالثواب على عبادته حتى عدلتم إلى عبادة غيره، قاله
بعض المتأخرين. والفرق بين العجلة والسرعة أن العجلة: التقدم بالشيء قبل وقته،
والسرعة: عمله في أقل أوقاته.
{ وَأَلْقَى الألْوَاحَ } وفي سبب إلقائها قولان:
أحدهما: غضباً حين رأى عبادة العجل، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه ألقاها لما رأى فيها فضائل غير قومه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم خير أمة
أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، قال: رب
فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد، فاشتد عليه فألقاها، قاله قتادة.
وكانت التوراة سبعة أسباع فلما ألقى موسى الألواح فتكسرت رفع منها ستة
أسباعها وكان فيما رفع تفصيل كل شيء الذي قال الله { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ من كُلِّ
شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْضِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } وبقي الهدى والرحمة في السبع الباقي، وهو
الذي قاله الله: { أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ
يَرْهَبُونَ }.
وقال ابن عباس: ألقى موسى الألواح فتكسرت ورفعت إلا سدُسها.
{ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } فيه قولان:
أحدهما: أنه أخذ بأذنه.
والثاني: أخذ بجملة رأسه.
فإن قيل: فلم قصده بمثل هذا الهوان ولا ذنب له؟
فعن ذلك جوابان.
أحدهما: أن هذا الفعل مما قد يتغير حكمه بالعادة فيجوز أن يكون في ذلك
الزمان بخلاف ما هو عليه الآن من الهوان.
والثاني: أن ذلك منه كقبض الرجل منا الآن على لحيته وعضه على شفته { قَالَ
ابْنَ أُمَّ } فيه وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك لأنه كان أخاه لأمه، قاله الحسن.
والثاني: أنه قال ذلك على عادة العرب استعطافاً بالرحم، كما قال
الشاعر:
يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شقيقَ نَفْسِي أَنْتَ خَلَّيْتَنِي لأَمْرٍ شَدِيدٍ
{ فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ } يعني من خالفه في عبادة العجل لأنهم قد صاروا
لمخالفتهم له أعداء.
{ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَومِ الظَّالِمِينَ } أي لا تغضب عليّ كغضبك عليهم ولست
منهم فأدركته الرقة: { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لَي ولأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ }.