التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
-يونس

معالم التنزيل

{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً }، صدقاً لا خلف فيه. نصب على المصدر، أي: وعدكم وعداً حقاً { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ }، أي: يُحييهم ابتداء ثم يُميتهم ثم يُحييهم، قراءة العامة: { إنه } بكسر الألف على الاستئناف، وقرأ أبو جعفر «أنه» بالفتح على معنى بأنه { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ }، بالعدل، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ }، ماءٌ حارٌّ انتهى حرُّه، { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }.

{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً }، بالنهار، { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } بالليل. وقيل: جعل الشمس ذات ضياء، والقمرَ ذَا نُور، { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } أي: قدَّر له، يعني: هيأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها، ولم يقل: قَدَّرهما.

قيل: تقدير المنازل ينصرف إليهما غير أنه اكتفى بذكر أحدهما، كما قال: { { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62].

وقيل: هو ينصرف إلى القمر خاصة لأن بالقمر يُعرف به انقضاء الشهور والسنين، لا بالشمس. ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلاً، وأسماؤها: الشرطين، والبطين، والثرياء، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنسر، والطوف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإِكليل، والقلب، والشولة، والنعايم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرع الدلو المقدم، وفرع الدلو المؤخر، وبطن الحوت.

وهذه المنازل مقسومة على البروج، وهي اثنا عشر برجاً: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت.

ولكل برج منزلان وثلث منزل، فينزل القمر كل ليلة منزلاً منها، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين، وإن كان تسعاً وعشرين فليلة واحدة، فيكون تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوماً، فيكون انقضاء السنة من انقضائها.

قوله تعالى: { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ }، أي: قدر المنازل. «لتعلموا عددَ السنينَ» دخولها وانقضاءها، { وَٱلْحِسَابَ }، يعني: حساب الشهور والأيام والساعات. { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ } ردّه إلى الخلق والتقدير، ولولا ردَّه إلى الأعيان المذكورة لقال: تلك. { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ }، أي: لم يخلقه باطلاً بل إظهاراً لصنعه ودلالةً على قدرته. { يُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص ويعقوب: «يفصل» بالياء، لقوله: «ما خلق»، وقرأ الباقون: «نفصل» بالنون على التعظيم.