التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
٣٥
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٣٧
-هود

معالم التنزيل

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني نوحاً عليه السلام. وقال مقاتل: يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَىَّ إِجْرَامِى }، أي: إثمي ووبال جُرْمي. والإِجرام: كسب الذنب. { وَأَنَاْ بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ }، لا أؤاخذُ بذنوبكم.

قوله تعالى: { وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ }، روى الضحاك عن ابن عباس: أن قوم نوح عليه السلام كانوا يضربون نوحاً حتى يسقط، فيلقونه في لَبَدٍ، ويلقونه في قعر بيت، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عزّ وجلّ.

رُوي أنّ شيخاً منهم جاء يتوكأ على عصا، ومعه ابنه، فقال: يابني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون، فقال له: يا أبت أمكني من العصا، فأخذ العصا من أبيه، فضرب نوحاً حتى شجَّه شجه منكرة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ }، { فَلاَ تَبْتَئِسْ }أي: فلا تحزن، { بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }، فإنّي مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا نوح عليهم فقال: { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26].

وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه: أنهم كان يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: ربِّ اغفرْ لقومي فإنّهم لا يعلمون، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلاّ كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنوناً لا يقبلون منه شيئاً، فشكا إلى الله تعالى فقال: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً»، إلى أن قال: «رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً»، فأوحى الله تعالى إليه:

{ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا }، قال ابن عباس بمرأىً منّا. وقال مقاتل: بعلمنا. وقيل: بحفظنا. { وَوَحْيِنَا }، بأمرنا. { وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ }، بالطوفان، قيل: معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار، فإني قد حكمت بإغراقهم. وقيل: لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك وَاعِلة فإنهما هالكان مع القوم.

وفي القصةِ: أن جبريل أتى نوحاً عليه السلام فقال: إن ربّك عزّ وجلّ يأمرك أن تصنع الفلك، قال: كيف أصنع ولستُ بنجارٍ؟ فقال: إنّ ربّك يقول اصنع فإنك بعيني، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطىء. وقيل: أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.