التفاسير

< >
عرض

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ
٤٧
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
٤٨
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
٤٩
وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ
٥٠
-يوسف

معالم التنزيل

{ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً }، هذا خبر بمعنى الأمر، يعني: ازرعُوا سبعَ سنين على عادتكم في الزراعة.

والدأب: العادة. وقيل: بجدٍّ واجتهاد.

وقرأ عاصم برواية حفص: { دَأَباً }، بفتح الهمزة، وهما لغتان، يقال: دأبت في الأمر أدأب دَأَباً ودَأْباً إذا اجتهدت. { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ }، أمرهم بترك الحنطة في السنبلة لتكون أبقى على الزمان ولا تفسد، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ }، أي: مما تدرسون قليلاً للأكل، أمرهم بحفظ الأكثر والأكل بقدر الحاجة.

{ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ }، سمى السنين المجدبة شداداً لشدّتِها على الناس، { يَأْكُلْنَ }، أي: يفنين ويُهلكن، { مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ }، أي: يؤكل فيهن ما أعددتم لهن من الطعام، أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسع { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } تُحْرِزُونَ وتدخرون للبذر.

{ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ }، أي: يمطرون، من الغيث: وهو المطر. وقيل: ينقذون من قول العرب اشتغثت فلاناً فأغاثني، { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }، قرأ حمزة والكسائي: { تعصرون }، بالتاء لأن الكلام كله على الخطاب، وقرأ الآخرون بالياء رداً إلى الناس، ومعناه: يعصرون العنب خمراً والزيتون زيتاً والسمسم دهناً. وأراد به كثرة النعيم والخير. وقال أبو عبيدة: يعصرون أي ينجون من الكروب والجدب، والعَصَر والعُصْرة: المنجاة والملجأ.

{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ }، وذلك أن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بما أفتاه يوسف من تأويل رؤياه، وعرف الملك أن الذي قاله كائن، قال: ائتوني به.

{ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ }، وقال له: أجبِ الملك، أبى أن يخرج مع الرسول حتى تظهر براءته ثم، { قَالَ }، للرسول: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ }، يعني: سيدك الملك، { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }، ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدباً واحتراماً.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لبثتُ في السجن طولَ ما لبثَ يوسفُ لأجبتُ الداعي" «.

{ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }، أي: إن الله بصنيعهن عالم، وإنما أراد يوسف بذكرهن بعد طول المدة حتى لا ينظر إليه الملك بعين التهمة، ويصير إليه بعدَ زوال الشك عن أمره، فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوةَ وامرأة العزيز.