التفاسير

< >
عرض

وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ
٤٥
وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ
٤٦
-إبراهيم

معالم التنزيل

{ وَسَكَنتُمْ } في الدنيا، { فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ }، بالكفر والعصيان، يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ }، أي: عرفتم عقوبتنا إيّاهم، { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ }، أي: بينَّا أن مثلكم كمثلهم.

{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ }، أي: جزاء مكرهم، { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ }، قرأ علي وابن مسعود: { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } بالدال، وقرأ العامة بالنون.

{ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }، قرأ العامة لتزول بكسر اللام الأولى ونصب الثانية.

معناه: وما كان مكرهم.

قال الحسن: إن كان مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال.

وقيل: معناه إن مكرهم لا يزيل أمر محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو ثابت كثبوت الجبال.

وقرأ ابن جريج والكسائي: { لتزول } بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، معناه: إن مكرهم وإن عظم حتى بلغ محلاً يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد صلى الله عليه وسلم.

قال قتادة: معناه وإن كان شركهم لتزول منه الجبال وهو قوله تعالى: { { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْاْ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } } [مريم:90، 91].

ويُحكى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معنى الآية: أنها نزلت في نمرود الجبَّار الذي حاج إبراهيم في ربه، وذلك أنه قال: إن كان ما يقول إبراهيم حقاً فلا أنتهي حتى أصعد السماء فأعلم ما فيها، فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور فربَّاها حتى شبت واتخذ تابوتاً، وجعل له باباً من أعلى وباباً من أسفل، وقعد نمرود مع الرجل في التابوت، ونصب خشباتٍ في أطراف التابوت، وجعل على رؤوسها اللحم وربط، التابوت بأرجل النسور، فطِرْن وصعدن طمعاً في اللحم، حتى مضى يوم وأَبْعَدْنَ في الهواء، فقال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربناها، ففتح الباب ونظر فقال: إن السماء كهيئتها ثم قال: افتح الباب الأسفل وانظر إلى الأرض كيف تراها؟ ففعل، فقال: أرى الأرض مثل اللجَّة والجبال مثل الدخان، فطارت النسور يوماً آخر، وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران، فقال لصاحبه: افتح البابين ففتح الأعلى فإذا السماء كهيئتها، وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟

قال عكرمة: كان معه في التابوت غلام قد حمل معه القوس والنشَّاب فرمى بسهم فعاد إليه السهم ملطخاً بدم سمكة قذفت نفسها من بحر في الهواء - وقيل: طائر أصابه السهم ـ فقال: كفيت شغل إله السماء.

قال: ثم أمر نمرود صاحبه أن يصوِّب الخشبات ينكص اللحم، ففعل، فهبطت النسور بالتابوت، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنسور، ففزعت وظنت أنه قد حَدَثَ حدثٌ من السماء، وأن الساعة قد قامت، فكادت تزول عن أماكنها، فذلك قوله تعالى: { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }.