التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٧
-آل عمران

معالم التنزيل

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } قال عكرمة: نزلت في رؤوس اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلّى الله عليه وسلم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم المآكل والرِّشا التي كانت لهم من أتْباعهم.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا موسى بن إسماعيل أنا أبو عُوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "من حلف علي يمينٍ صَبْرٍ يقتطع بها مالَ امْرِىءٍ مسلمٍ لقيَ الله يومَ القيامة وهو عليه غضبان" ، فأنزل الله تعالى تصديق ذلك (إنّ الذي يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) إلى آخر الآية، فدخل الأشعث بن قيس، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا، فقال: فيّ أنزلتْ "كانتْ لي بئرٌ في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحدثتُه، فقال: هاتِ بينتَكَ أو يمينه، قلت: إذاً يحلِفُ عليها يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صَبْرٍ وهو فيها فاجرٌ يقتطع بها مالَ امْرىءٍ مسلم لقيَ الله يوم القيامة وهو عليه غضبان" .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا قتيبة بن سعيد أنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه قال: "جاء رجل من حضرموت ورجل من كِنْدة إلى النبي، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرضٍ لي كانتْ لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه قال: يا رسول الله إن الرجل فاجرٌ لا يُبالي على ما يحلف عليه، قال: ليس لك منه إلا ذلك، فانطلق ليحلف له، فلما أدبر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أما لئِن حلفَ على مالهِ ليأكله ظلماً ليَلْقَيَنَّ الله وهو عنه مُعْرِض" ."

ورواه عبد الملك بن عمير عن علقمة، وقال هو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان. وروي لمّا همّ أن يحلف نزلت هذه الآية فامتنع امرؤ القيس أن يحلف، وأقرَّ لخصمه بحقه ودفعه إليه.

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي، أنا أبو مصعب عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن سعيد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة:

أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حقَّ امرىءٍ مسلم بيمينه حرّم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك" قالها ثلاث مرات.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمرو بن محمد أنا هشيم بن محمد أنا العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى:

أنّ رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أُعطي بها ما لم يعط، ليُوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت:(إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً).

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ } أي: يستبدلون { بِعَهْدِ ٱللَّهِ } وأراد الأمانة، { وَأَيْمَـٰنِهِمْ } الكاذبة { ثَمَنًا قَلِيًلا } أي: شيئاً قليلاً من حطام الدنيا، { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ }، لا نصيب لهم { فِى ٱلآخِرَةِ }، ونعيمها، { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } كلاماً ينفعهم ويُسرهم، وقيل: هو بمعنى الغضب، كما يقول الرجل: إني لا أكلم فلاناً إذا كان غضب عليه، { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي: لا يرحمهم ولا يُحسن إليهم ولا يُنيلهم خيراً، { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } أي: لا يُثني عليهم بالجميل ولا يُطهرهم من الذنوب، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر أنا عبد الغفار بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد أنا سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا محمد بن جعفر عن شعبة عن علي بن مُدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه:

عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يُكلمهم الله يومَ القيامة ولا ينظر إليهم ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم قال: قرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثَ مرات، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا، مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: المُسبل والمنّان والمنفق سلعته بالحَلِفِ الكاذب" ، في رواية: "المسبل إزاره" . "

أخبرنا الإِمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أسيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، أنا أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة:

عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يُزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل حلف يميناً على مال فاقتطعه، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد صلاة العصر أنه أُعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل منع فضل مالِه، فإن الله تعالى يقول: اليوم أمنعك فضل ما لم تعمل يداك" .