التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ
٣
-النساء

معالم التنزيل

وقوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } الآية. اختلفوا في تأويلهم، فقال بعضهم: معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهنّ إذا نكحتُموهنّ فانكحُوا غيرَهنٌ من الغرائب مثنَى وثُلاث ورُباعَ.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال: كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } قالت: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجَها بأدنى من سنة نسائها، فنُهوا عن نكاحهنّ إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأُمروا بنكاح من سواهنّ من النساء، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم استفتى الناسُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } إلى قوله تعالى { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ }.

فبيّن الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال، رَغِبُوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يُقسطوا لها الأوْفَى من الصداق ويُعطوها حقَّها.

قال الحسن: كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجْلِ مالها وهي لا تعجبه كراهية أن يَدخله غريبٌ فيشاركه في مالها، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن تموت ويرثها، فعاب الله تعالى ذلك، وأنزل الله هذه الآية.

وقال عكرمة: كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدماً من مُؤَنِ نسائه مالَ إلى مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه، فقيل لهم: لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال بعضهم: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } أنزل هذه الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } يقول كما خفتم أن لا تُقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهنّ فلا تتزوجوا أكثر مما يُمكنكم القيام بحقهن، لأن النساء في الضعف كاليتامى، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي، ثم رخص في نكاح أربع فقال: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } فيهن { فَوَٰحِدَةً }، وقال مجاهد: معناه إن تحرجتم منْ وِلاية اليتامَى وأموالِهم إيماناً فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحاً طيباً ثم بين لهم عدداً، وكانوا يتزوجون ما شاؤوا من غير عدد، قوله تعالى: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } أي: مَنْ طَابَ كقوله تعالى: { { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَـٰهَا } [الشمس: 5] أي ومن بناها { { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 23] والعرب تضع «من» و«ما» كل واحدة موضع الأخرى، كقوله تعالى: { { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ } [النور: 45]، وطابَ أي: حلّ لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، معدولات عن اثنين وثلاث، وأربع، ولذلك لا ينصرفنَ، والواو بمعنى أو للتخيير، كقوله تعالى: { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } [سبأ: 46]: { { أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [فاطر: 1] وهذا إجماع أن أحداً من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلم، لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها،وروي "أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: طلق أربعاً وأمسك أربعاً قال فجعلَت أقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي" ورُوي "أن غَيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: أمسك أربعاً وفارق سائرهنّ" .

وإذا جمع الحرُّ بينَ أربع نسوة حرائر فإنه يجوز، فأمّا العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم.

أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب أنا عبد العزيز أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تكن تحيض فبشهرين أو شهر ونصف» وقال ربيعة: يجوز للعبد أن ينكح أربع نسوة كالحر. { فَإِنْ خِفْتُمْ }، خشيتُم، وقيل: علمتم، { أَلاَّ تَعْدِلُواْ }، بين الأزواج الأربع، { فَوَٰحِدَةً } أي: فانكحُوا واحدةً. وقرأ أبو جعفر { فواحدة } بالرفع، { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ }، يعني السراري لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر، ولا قَسم لهن، ولا وقف في عددهن، وذكر الأيمان بيان، تقديره: أو ما ملكتم، وقال بعض أهل المعاني: أو ما ملكت أيمانكم أي: ما ينفذ فيه إقسامكم، جعله من يمين الحلف، لا يمين الجارحة، { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ }، أقرب، { أَلاَّ تَعُولُواْ } أي: لاَ تَجُورُوا ولا تميلوا، يقال: ميزان عائل، أي: جائر مائل، هذا قول أكثر المفسرين، وقال مجاهد: أنْ لا تضلوا، وقال الفراء: أنْ لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم، وأصل العول: المجاوزة، ومنه عَوْلُ الفرائض، وقال الشافعيرحمه الله : أنْ لا تَكْثُر عيالُكم، وما قاله أحد، إنما يقال من كثرة العيال: أعال يعيل إعالة، إذا كثر عياله. وقال أبو حاتم: كان الشافعي رضي الله عنه أعلم بلسان العرب منّا ولعله لُغةٌ، ويقال: هي لغة حمير، وقرأ طلحة بن مصرف { أنْ لا تعيلوا } وهي حجة لقول الشافعي رضوان الله عليه.