التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً
٣١
-النساء

معالم التنزيل

{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ }، يعني: ما سبق ذكره من المحرَّمات، { عُدْوَٰناً وَظُلْماً }، فالعدوان مجاوزة الحدّ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ }، نُدخله في الآخرة، { نَاراً }، يُصلى فيها، { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }، هيناً.

قوله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ }، اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابَها تكفيراً للصغائر:

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن مقاتل أنا النضر أخبرنا شعبة أنا فراس قال: سمعت الشعبي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما:

عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "الكبائر: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين، وقتلُ النفس، واليمينُ الغَمُوس"

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا بشر بن المفضَّل أنا الجَرِيْري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإِشراكُ بالله عزّ وجلّ، وعقوقُ الوالدين، وجلسَ وكان متكئاً فقال: ألا وقولُ الزُور، فما زال يُكررُها حتى قلنا ليتَه سكت" .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرِتيّ أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور، وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قلتُ يا رسول الله أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نِداً وهو خلقك، قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: أن تقتل ولدكَ خشيةَ أن يطعم معك، قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: أن تزني بحليلة جارك" ، فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلّى الله عليه وسلم: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } الآية. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه:

عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السّبع المُوبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشركُ بالله والسّحرُ وقتلُ النفس التي حرَّمَ الله إلاّ بالحق، وأكل الرِّبا وأكل مال اليتيم، والتولي يومَ الزحف، وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات" .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أكبر الكبائر: الإِشراك بالله والأمنُ من مكر الله والقنوطُ من رحمة الله واليأسُ من رَوح الله.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعتُ حميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو.

عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "من الكبائر أن يسبَّ الرجلُ والديه، قالوا: وكيف يسبّ الرجل والديه؟ قال: يسبُّ الرجلُ أبا الرجلِ فَيسبُّ أباه ويسبُّ أمه" ."

وعن سعيد بن جبير: أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر: أسبع هي؟ قال: هنَّ إلى السبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرةَ مع الاستغفار ولا صغيرةَ مع الإِصرار، وقال: كل شيء عُصيَ الله به فهو كبيرة، فمن عمل شيئاً منها فليستغفرْ فإنّ الله لا يُخلّد في النار من هذه الأمة إلا راجعاً عن الإِسلام أو جاحداً فريضة أو مكذباً بقدر. وقال عبد الله بن مسعود: ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه» فهو كبيرة. وقال علي بن أبي طلحة: هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال الضحاك: ما أوعد الله عليه حدّاً في الدنيا أو عذَاباً في الآخرة. وقال الحسن بن الفضل: ما سماه الله في القرآن كبيراً أو عظيماً نحو قوله تعالى: { { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [النساء: 2]، { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } [الإسراء: 31]، { { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف: 28]، { { سُبْحَـٰنَكَ هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ عَظِيمٌ } [النور: 16] { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } [الأحزاب: 53]. قال سفيان الثوري: الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى، لأنّ الله كريمٌ يعفو، واحتج بما

أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد أنا الحسين بن داؤد البلخي أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة: يا أمّة محمد إنّ الله عزّ وجلّ قد عفَا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات، تواهبُوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي"

وقال مالك بن مغول: الكبائر ذنوب أهل البدع، والسيئات ذنوب أهل السنة. وقيل: الكبائر ذنوب العمد، والسيئات الخطأ والنسيان وما أكره عليه، وحديث النفس المرفوع عن هذه الأمة. وقيل: الكبائر ذنوب المستحلّين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام. وقال السدي: الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائر، والسيئات مقدِّمَاتُها وتوابعها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها.

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: "العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويُصدِّقُ ذلك الفرجُ أو يكذبه" . وقيل: الكبائر ما يستحقره العباد، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته، كما

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا مهدي بن غيلان عن أنس قال: إنّكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إنْ كنّا نعدُّها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الموبقات.

وقيل: الكبائر الشرك، وما يؤدي إليه، وما دون الشرك فهو من السيئات، قال الله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48، 116].

وقوله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أي: من الصلاةِ إلى الصلاة ومنَ الجمعة إلى الجمعة ومن رَمضان إلى رمضان.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه

أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول: "الصلواتُ الخمسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضان، مُكفّراتُ ما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر" .

قوله تعالى: { ونُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }، أي: حسناً وهو الجنة، قرأ أهل المدينة { مُّدْخَلاً } بفتح الميم هاهنا وفي الحج، وهو موضع الدخول، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الادخال.