التفاسير

< >
عرض

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً
٣٣
-النساء

معالم التنزيل

قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } أي: ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي، أي: عصبة يُعطون { مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ }، والوالدان والأقربون هم المورِّثون، [وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة، ممّا ترك أي: من الذين تركهم ويكون { مَا } بمعنى (مِنْ)، ثم فسّر الموالي فقال: «الوالدانِ والأقربون»، هم الوارثون]. { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ }، قرأ أهل الكوفة { عقدت } بلا ألف، أي: عقدت لهم أيمانكم، وقرأ الآخرون: { عاقدت أيمانكم } والمعاقدة: المحالفة والمعاهدة، والأيمان جمع يمين، من اليد والقسم، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضُهم بيد بعض على الوفاء والتمسّك بالعهد. ومحالفتُهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسِلْمِي سِلْمُك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتَعْقِلُ عنّي وأعقل عَنْك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف، وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإِسلام فذلك قوله تعالى: { فَـآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي: أعطوهم حظَّهم من الميراث، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى { { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 6]. وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1].

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة: "لا تحدثوا حِلْفاً في الإِسلام، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسّكوا فيه فإنّه لم يزدْه الإِسلام إلاّ شِدّة"

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قَدِمُوا المدينة وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم، فلمّا نزلت { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } نسخت، ثم قال: { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَـآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث فيوصي له. وقال سعيد بن المسيب: كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نُسخ. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيداً }.