التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً
٥٠
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً
٥١
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً
٥٢
-النساء

معالم التنزيل

قوله تعالى: { انظُرْ } يا محمد، { كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ }، يختلقون على الله، { الكَذِبَ }، في تغييرهم كتابه، { وَكَفَىٰ بِهِ }، بالكذب { إِثْماً مُّبِيناً }.

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ }، اختلفوا فيهما فقال عكرمة: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله، وقال أبو عبيدة: هما كل معبودٍ يُعبد من دون الله. قال الله تعالى { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } [النحل: 36]، قال عمر: الجِبْتُ: السحر، والطاغُوت: الشيطان. وهو قول الشعبي ومجاهد. وقيل: الجبتُ: الأوثان، والطاغوت: شياطين الأوثان. ولكل صنمٍ شيطان، يُعبِّر عنه، فيغترُّ به الناس. وقال محمد بن سيرين ومكحول: الجبتُ: الكاهن، والطاغوتُ: الساحر. وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبتُ: الساحر بلسان الحبشة، والطاغوتُ: الكاهن. ورُوي عن عكرمة: الجبتُ بلسان الحبشة: شيطان. وقال الضحاك: الجبتُ: حُييُّ بن أخطب، والطاغوتُ: كعب بن الأشرف. دليله قوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } [النساء: 60].

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف العبدي عن حيان عن قَطَن بن قُبيصة عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "العِيَافَةُ والطَّرْقُ والطّيَرةُ مِنَ الجِبْتِ"

وقيل: الجبتُ كلُّ ما حرّم الله، والطاغوتُ كلُّ ما يُطغي الإِنسان. { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً }، قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد لِيُحالفُوا قريشاً على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه، ونزلت اليهود في دُور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأُمَنُ أن يكون هذا مكراً منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ }. ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنّا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهِد ربَّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمد، ففعلوا. ثم قال أبو سفيان لكعب: إنّك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أُمّيُّون لا نعلم، فأينا أهدَى طريقة، نحنُ أم محمد؟ قال كعب: اعرضُوا عليَّ دينكم. فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونُعمّر بيتَ ربِّنا ونطوف به ونحن أهل الحرم. ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم، ودينُنا القديم ودينُ محمد الحديث. فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد فأنزل الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، يعني: كعباً وأصحابه { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ }، يعني: الصنمين { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أبي سفيان وأصحابه { هَؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم (سبيلاً) ديناً.

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }