التفاسير

< >
عرض

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣
وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
١٤
-المائدة

معالم التنزيل

{ فَبِمَا نَقْضِهِمِ } أي: فبنقضهم، و"ما" صلة، { مِّيثَـٰقَهُمْ }، قال قتادة: نقضوه من وجوه لأنهم كذّبوا الرسل الذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا الأنبياء ونبذوا كتابه وضيّعوا فرائضه، { لَعَنَّـٰهُمْ }، قال [عطاء]: أبعدناهم من رحمتنا، قال الحسن ومقاتل: عذبناهم بالمسخ، { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }، قرأ حمزة والكسائي قسيّة بتشديد الياء من غير ألف، وهما لغتان مثل الذاكية والذكية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قاسية أي يابسة، وقيل: غليظة لا تلين، وقيل معناه: إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق، ومنه الدراهم القاسية وهي الردية المغشوشة.

{ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَٰضِعِهِ }، قيل: هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: تحريفهم بسوء التأويل، { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ }، أي: وتركوا نصيبَ أنفسهم مما أُمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته، { وَلاَ تَزَالُ }، [يا محمد]، { تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ }، أي: على خيانة، فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاّغية، وقيل: هو بمعنى الفاعل والهاء للمبالغة مثل [روَّاية] ونسابة وعلاّمة وحسّابة، وقيل: على فرقة خائنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: على خائنة، أي: على معصية، وكانت خيانتهم نقضهم العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّهم بقتله وسمّه، ونحوهما من خياناتهم التي ظهرت منهم، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ }، لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب، { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ }، أي: أعرض عنهم ولا تتعرض لهم، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }، وهذا منسوخ بآية السيف.

قوله عزّ وجلّ: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ }، قيل: أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة لأنه قد تقدم ذكر اليهود، وقال الحسن: فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى، أخذنا ميثاقهم في التوحيد والنبوّة، { فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ به فَأغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَآءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }، بالأهواء المختلفة والجدال في الدين، قال مجاهد وقتادة: يعني بين اليهود والنصارى، وقال قوم: هم النصارى وحدهم صاروا فرقاً منهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية، وكل فرقة تكفّر الأخرى، { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } في الآخرة.