قوله عزّ وجلّ: { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام، ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادُّونهما، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.{ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً }، بإظهار ذلك بألسنتهم قولاً وهم مستبطنون الكفر، { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ }، يعني: اليهود، { وَٱلْكُفَّارَ }، قرأ أهل البصرة والكسائي "الكفار" بخفض الراء، [يعني: ومن الكفار]، وقرأ الآخرون بالنصب، أي: لا تتخذوا الكفار، { أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.
قوله تعالى: { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }، قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، قاموا وصلوا لا صلوا، على طريق الاستهزاء، وضحكوا، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وقال السدي: نزلت في رجل من النصارى بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله، قال: حُرق الكاذبُ، فدخل خادمه ذات ليلة بنارٍ [هو وأهله نيام]، فتطايرت منها شرارة فاحترق البيت واحترق هو وأهله.
وقال الآخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا المسلمين فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يامحمد لقد أبدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم فإن كنت تدعي النبوّة فقد خالفت ـ فيما أحدثت ـ الأنبياء قبلك ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به الأنبياء، فمن أين لك صياح كصياح [العنز]، فما أقبح من صوت وما أسمج من أمر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونزل { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } الآية.
قوله عزّ وجلّ: { قُلْ يَـٰۤأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } الآية، قرأ الكسائي: "هل تنقمون"، بإدغام اللام في التاء، وكذلك يدغم لام هل في التاء والثاء والنون، ووافقه حمزة في التاء والثاء وأبو عمرو في "هلْ ترى" في موضعين.
قال ابن عباس: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفرٌ من اليهود، أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وغيرهما، فسألوه عمّن يؤمن به من الرسل، فقال:
"أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله: ونحنُ له مسلمون" ، فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته، وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم، ولا ديناً شراً من دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. { قُلْ يَـٰۤأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ }، أي: هل تكرهون منا، { إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ }، أي: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي: إنّما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنّا على حق، لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لحب الرياسة وحب الأموال.