ثم قال: { قُلْ } يا محمد، { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ }، أخبركم، { بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ }، الذي ذكرتم، يعني: قولهم لم نرَ أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم، فذكر الجواب بلفظ الابتداء، وإن لم يكن الابتداء شراً؛ لقوله تعالى:
{ { أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } [الحج: 72]، { مَثُوبَةً } ثواباً وجزاءً، نُصب على التفسير، { عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ }، أي: هو من لعنه الله، { وَغَضِبَ عَلَيْهِ }، يعني: اليهود، { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ }، فالقردة أصحاب السبت، والخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام.
ورُوي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الممسوخين كلاهما من أصحاب السبت فشُبَّانُهم مُسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير. { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ }، أي: جعل منهم من عبد الطاغوت، أي: أطاع الشيطان فيما سوّل له، وتصديقها، قراءة ابن مسعود: ومن عبدوا الطاغوت، وقرأ حمزة: وعبُد بضم الباء، "الطاغوت" بجر التاء، أراد العبد وهما لغتان عبْد بجزم الباء وعبُد بضم الباء، مثل سبْع وسبُع، وقيل: جمع العباد، وقرأ الحسن: وعبد الطاغوت على الواحد، { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }، أي: عن طريق الحق.
{ وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ }، يعني: هؤلاء المنافقين، وقيل: هم الذين قالوا: "آمنوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره"، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: آمنا بك وصدقناك فيما قلت، وهم يُسرُّون الكفرَ، { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ }، يعني: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }.
{ وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ }، يعني: من اليهود { يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ }، قيل: الإثم المعاصي والعدوان الظلم، وقيل: الإثم ما كتموا من التوراة، والعدوان ما زادوا فيها، { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ }، الرِّشَا، { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
{ لَوْلاَ } هلاَّ { يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ }، يعني: العلماء، قيل: الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود، { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.