التفاسير

< >
عرض

جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٨
-المائدة

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ }، قال مجاهد: سميت كعبة لتربيعها، والعرب تسمّي كل بيت مربعٍ كعبة، قال مقاتل: سُميت كعبة لانفرادها من البناء، وقيل: سميت كعبة لارتفاعها من الأرض، وأصلها من الخروج والارتفاع، وسمّي الكعب كعباً لنتوئه، وخروجه من جانبي القدم، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثديُها: تكعّبت. وسمّي البيت الحرام لأن الله تعالى حرّمه وعظّم حرمته. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّهَ تعالى حرّم مكةَ يومَ خلقَ السمواتِ والأرض" . { قِيَاماً لِّلنَّاسِ }، قرأ ابن عامر { قيماً } بلا ألف والآخرون "قياماً" بالألف، أي: قواماً لهم في أمرِ دينهم ودنياهم، أما الدين لأن به يقوم الحجّ والمناسك، وأما الدنيا فيما يُجبى إليه من الثمرات، وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة لا يتعرض لهم أحد في الحرم، قال الله تعالى: { { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمناً وَيُتَخَطَّفُ النُّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت: 67]، { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ }، أراد به الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، أراد أنه جعل الأشهر الحرم قياماً للنّاس يأمنون فيها القتال، { وَٱلْهَدْىَ وَٱلْقَلَـٰئِدَ }، أراد أنهم كانوا يأمنون بتقليد الهدي، فذلك القوام فيه.

{ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }، فإن قيل: أي اتصال لهذا الكلام بما قبله، قيل: أراد أن الله عزّ وجلّ جعل الكعبة قياماً للنّاس لأنه يعلم صلاح العباد كما يعلم ما في السموات وما في الأرض، وقال الزجاج: قد سبق في هذه السورة الإخبار عن الغيوب والكشف عن الأسرار، مثل قوله: (سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين)، ومثل إخباره بتحريفهم الكتب ونحو ذلك، فقوله { ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } راجع إليه.

وقوله عزّ وجلّ: { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.