{ ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }، يعني: القرآن اعمل به، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ }، فلا تجادلهم.
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ }، أي: ولو شاء لجعلهم مؤمنين، { وَمَا جَعَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }، رقيباً، قال عطاء: وما جعلناك عليهم حفيظاً تمنعهم منّي، أي: لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب إنّما بعثت مبلغاً. { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }.
قوله عز وجل: { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية، قال ابن عباس: لما نزلت:
{ { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98]، قال المشركون: يا محمد لتنتهين عن سَبِّ آلهتنا أو لنهجون ربك، فنهاهم الله تعالى أن يسبوا أوثانهم.
وقال قتادة: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفار، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك، لئلا يسبُّوا الله فإنهم قوم جهلة.
وقال السدي:
"لمّا حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنّه أن ينهى عنّا ابنَ أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمَيَّة وأُبيّ ابنا خلف وعقبة [بن أبي مُعيط وعمرو بن العاص، والأسود بن] البختري إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدُنا وإن محمداً قد آذانا وآلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذلك، وعن ذكر آلهتنا، ولندعنَّه وإلهه، فدعاه فقال: هؤلاء قومك يقولون نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك، وقد أنصفك قومك فاقبل منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتُم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم؟ قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها، قال: فما هي؟ قال: قولوا لا إله إلاّ الله، فأبَوْا ونفروا، فقال أبو طالب: قلّ غيرها يا ابنَ أخي، فقال: يا عمُّ ما أنا الذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدَيْ، فقالوا: لتكفنّ عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنّك ونشتمنّ من يأمرك، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }" ، يعني: الأوثان، { فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً }، أي: اعتداء وظلماً، { بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
وقرأ يعقوب { عُدُوَّاً } بضم العين والدال وتشديد الواو،
"فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا تسبُّوا رَبَّكم" ، فأمسك المسلمون عن سبّ آلهتهم.
فظاهر الآية وإنْ كان نهياً عن سبّ الأصنام فحقيقته النهي عن سبّ الله تعالى، لأنه سبب لذلك.
{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ }، [أي: كما زيّنا لهؤلاء المشركين عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان، كذلك زيّنا لكل أُمّة عملَهم] من الخير والشر والطاعة والمعصية، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم }، ويُجازيهم، { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.