التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
-الأنعام

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } الآية، قال الكلبي: اجتمع أبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبيّ ابنا خلف والحارث بن عامر، يستمعون القرآن فقالوا للنضر: يا أبا قُتَيْلة ما يقول محمد؟ قال: ما أدري ما يقول إلا أني أراه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها، فقال أبو سفيان: إني أرى بعض ما يقول حقاً، فقال أبو جهل: كلا لا نقرّ بشيء من هذا، وفي رواية: لَلْمَوتُ أهونُ علينا من هذا، فأنزل الله عزّ وجلّ: "ومنهم من يستمعُ إليك" وإلى كلامك، { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً }، أغطية، جمع كنان، كالأعنة جمع عنان، { أَن يَفْقَهُوهُ }، أن يعلموه، قيل: معناه أن لا يفقهوه، وقيل: كراهة أن يفقهوه، { وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً }، صمماً وثقلاً، وهذا دليل على أن الله تعالى يقلّب القلوب فيشرح بعضها للهدى، ويجعل بعضها في أكنّة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن، { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ }، من المعجزات والدلالات، { لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }، يعني: أحاديثهم وأقاصيصهم، والأساطير جمع: أسطورة، وإسطارة، وقيل: هي الترهات والأباطيل، وأصلها من سطرت، أي: كَتبتُ.

{ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ }، أي: ينهون الناس عن اتّباع محمد صلى الله عليه وسلم، { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ }، أي: يتباعدون عنه بأنفسهم، نزلت في كفار مكة، قاله محمد بن الحنفية والسدي والضحّاك، وقال قتادة: ينهون عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعدون عنه.

وقال ابن عباس ومقاتل: نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به، أي: يبعد، حتى رُوي أنه اجتمع إليه رؤوس المشركين وقالوا: خذْ شاباً من أصبحنا وجهاً، وادفع إلينا محمداً، فقال أبو طالب: ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم؟ ورُوي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان، فقال: لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك، ولكن أذبّ عنك ما حييت، وقال فيه أبياتاً:

واللَّه لَنْ يَصِلُوا إليــك بِجَمْعِهِــمْحتَّى أُوَسَّــدَ فـي التُّــرابِ دفينـــا
فاصْدَعْ بأمركَ ما عليكَ غَضَاضةٌوابْشِرْ بذاكَ وقرّ بذاك منكَ عيونا
ودعوتني وعرفتُ أنكَ ناصحـيولقـــد صــدقــتَ وكنــتَ ثمّ أمينــا
وعرضـتَ ديناً قـدْ علمــتُ بأنـهمــن خيــر أديـــان البَـريّـــة دينـــا
لـوْلاَ المـلامـةُ أو حــذارُ سُبَّـــةلــوَجَـدْتَنِـــي سمحــاً بــذاك مبيــنــا

{ وَإِن يُهْلِكُونَ }، ما يهلكون، { إِلاَّ أَنفُسَهُمْ }، أي: لا يرجع وبال فعلهم إلاّ إليهم، وأوزار الذين يصدونهم عليهم، { وَمَا يَشْعُرُونَ }.