قوله عزّ وجلّ: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا }، قال أبو الدرداء الأَسف: شديد الغضب. وقال ابن عباس والسدي: أسفاً أي حزيناً. والأسف أشد الحزن. { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِىۤ }، أي: بئس ما عملتم بعد ذهابي، يقال: خلفه بخير أو بشرٍّ إذا أولاه في أهله بعد شخوصه عنهم خيراً أو شراً، { أَعَجِلْتُمْ }، أسبقتم { أَمْرَ رَبِّكُمْ }، قال الحسن: وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين ليلة. وقال الكلبي: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمرُ ربكم. { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ }، التي فيها التوراة وكان حاملاً لها، فألقاها على الأرض من شدة الغضب.
قالت الرواة: كانت التوراة سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسَّرت فرفعت ستة أسباعها وبقي سبع، فرفع ما كان من أخبار الغيب، وبقي ما فيه الموعظة والأحكام والحلال والحرام، { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ }، بذوائبه ولحيته { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ }، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحبَّ إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان ليَّن الغضب. { قَالَ } هارون عند ذلك، { ٱبْنَ أُمَّ }، قرأ أهل الكوفة والشام ها هنا وفي طه بكسر الميم، يريد: يا ابن أمي، فحذف ياء الإضافة وأبقيت الكسرة لتدل على الإضافة كقوله: "يا عبادِ" وقرأ أهل الحجاز والبصرة وحفص: بفتح الميم على معنى يا ابن أماه. وقيل: جعله اسماً واحداً وبناه على الفتح، كقولهم: حضرموت، وخمسة عشر، ونحوهما، وإنما قال ابنَ أُمَّ وكان هارون أخاه لأبيه وأمه ليرققه ويستعطفه.
وقيل: كان أخاه لأمه دون أبيه، { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى }، يعني: عَبَدَةَ العجل، { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى }، هَمَّوا وقاربوا أن يقتلوني، { فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى }، في مؤاخذتك عليّ { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }، يعني: عبدة العجل.
{ قَالَ } موسى لما تبين له عذر أخيه، { رَبِّ ٱغْفِرْ لِى }، ما صنعت إلى أخي، { وَلأَخِى }، إن كان منه تقصير في الإنكار على عبدة العجل، { وَأَدْخِلْنَا } جميعاً { فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَٰحِمِينَ }.