التفاسير

< >
عرض

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
١٦٨
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
-الأعراف

معالم التنزيل

{ وَقَطَّعْنَـٰهُم } وفََرَّقْناهم { فِي ٱلأَرْضِ أُمَمًا }، فرقاً فرقهم الله فتشتت أمرهم ولم تجتمع لهم كلمة، { مِّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ }، قال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ }، يعني الذين بقوا على الكفر.

وقال الكلبي: منهم الصالحون هم الذين وراء نهر أوداف من وراء الصين، ومنهم دُون ذلك، يعني: من هاهنا من اليهود، { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ }، بالخصب والعافية، { وَٱلسَّيِّئَاتِ }، الجدب والشدة، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا.

قوله عزّ وجلّ: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ }، أي: جاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم { خَلْفٌ }، والخلف: القرن الذي يجيء بعد قرن. قال أبو حاتم: الخلف بسكون اللام الأولاد، الواحد والجمع فيه سواء، والخلَف بفتح اللام: البدل سواء كان ولداً أو غريباً.

وقال ابن الأعرابي: الخلَف بالفتح: الصالح، وبالجزم: الطالح.

وقال النضر بن شميل: الخلف: بتحريك اللام وإسكانها في القرْن السوء واحد، وأما في القَرْن الصالح فبتحريك اللام لا غير.

وقال محمد بن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام، وفي الذم بتسكينها وقد يُحرك في الذم ويُسكّن في المدح. { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ }، أي: انتقل إليهم الكتاب من آبائهم وهو التوراة، { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ }، العرض متاع الدنيا، فالعَرَضَ، والعَرْض، بسكون الراء، ما كان من الأموال سوى الدراهم والدنانير. وأراد بالأدنى العالَم. وهو هذه الدار الفانية، فهو تذكير الدنيا، فهؤلاء اليهود ورثوا التوراة فقرؤوها وضيّعوا العمل بما فيها، وخالفوا حكمها، يرتشون في حكم الله وتبديل كلماته، { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا }، ذنوبنا يتمنون على الله الأباطيل.

أخبرنا محمد بن عبدالله بن أبي توبة أنبأنا طاهر، محمد بن أحمد بن الحارث، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أنبأنا عبدالله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبدالله الخلال أنبأنا عبدالله بن المبارك عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَيِّسُ منْ دَانَ نفسَه وعمِلَ لِما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ من أتبع نفسَه هواها وتمنّى على الله" .

{ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ }، هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وإصرارهم على الذنوب، يقول: إذا أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه حلالاً كان أو حراماً، ويتمنون على الله المغفرة وإن وجدوا من الغد مثله أخذوه. وقال السُّدُي: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم، فيقال له: ما لك ترتشي؟ فيقول: سيغفر لي، فيطعن عليه الآخرون، فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي أيضاً، يقول: وإن يأت الآخرين عرضٌ مثله يأخذوه.

{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ }، أي: أخذ عليهم العهد في التوراة أن لا يقولوا على الله الباطل، وهي تمني المغفرة مع الإصرار، وليس في التوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار، { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ }، قرأوا ما فيه فهم ذاكرون لذلك، ولو عقلوه لعملوا للدار الآخرة، ودَرْسُ الكتاب: قراءتُه وتدبّره مرةً بعد أخرى، { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.