التفاسير

< >
عرض

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ
٢٢
-الأعراف

معالم التنزيل

{ فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ }، أي: خدعهما، يقال: ما زال فلان يدلي لفلان بغرور، يعني: ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف من القول باطل.

وقيل: حطهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية، ولا يكون التدلّي إلاّ من علو إلى أسفل، والتدلية إرسال الدلو في البئر، يُقال: تدلَّى بنفسه ودعا غيره، وقال الأزهري: أصله: تدلية العطشان البئر ليروى من الماء ولا يجد الماء فيكون مُدَلّى بغرور، والغرور إظهار النصح مع إبْطانِ الغش.

{ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا }، قال الكلبي: فلما أكلا منها. ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قبل أن ازدردا أخذتْهُما العقوبةُ، والعقوبةُ أنْ "بدتْ" ظهرت لهما "سوآتُهما" عوراتُهما، وتهافت عنهما لباسهما حتى أبصر كل واحد منهما ما وُورِيَ عنه من عورة صاحبه، وكانا لا يريان ذلك. قال وهب: كان لباسهما من النور. وقال قتادة: كان ظفراً ألبسهما الله من الظفر لباساً فلمّا وقعا في الذنب بدت لهما سوءَاتهما فاستحييا، { وَطَفِقَا }، أقبلا وجعلا { يَخْصِفَانِ }، يرقعان ويلزقان ويصلان، { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }، وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب.

قال الزجاج: يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما. ورُوي عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان آدم رجلاً طِوَالاً كأنه نخلة سَحُوق كثير شعر الرأس، فلما وقع في الخطيئة بدت له سوأتُه، وكان لا يراها فانطلق هارباً في الجنّة، فعرضتْ له شجرةٌ من شجر الجنة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني، قالت: لست بمرسلتك، فناداه ربُّه يا آدمُ أِمنَّي تفرّ؟ قال: لا يارب ولكن استحييتُك" .

{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ }، يعني: عن الأكل منها، { وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ }، أي: بيّن العداوة، قال محمد بن قيس: ناداه ربُّه يا آدم أكلت منها وقد نهيتُك؟ قال: يا ربِّ أطعَمَتْنِي حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه؟ قالت: أمَرتني الحية، قال: للحيّةِ لِمَ أمرتيها؟ قالتْ: أمرني إبليس، فقال الله: أمّا أنتِ يا حواء فكما أدميت الشجرة فتدمين كل شهر، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين على بطنك ووجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك، وأمّا أنتَ يا إبليس فملعون مدحور.