قوله عزّ وجلّ: { فَرِيقًا هَدَىٰ }، أي: هداهم الله، { وَفَرِيقًا حَقَّ }، وجب { عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ }، أي: بالإرادة السابقة، { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }، فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء.
قوله تعالى: { يَابَنِيۤ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } قال أهل التفسير: كانت بنو عامر يطوفون بالبيت عراة، فأنزل الله عزّ وجلّ: "يا بني آدم خذُوا زينتَكم عندَ كلِّ مسجد"، يعني: الثياب. قال مجاهد: ما يُواري عورتك ولو عباءة.
قال الكلبي: الزينة ما يُواري العورة عند كل مسجد لطواف وصلاة.
{ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ }. قال الكلبي: كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجِّهم من الطعام إلاّ قوتاً ولا يأكلون دسماً، يعظّمون بذلك حجَّهم، فقال المسلمون: نحن أحق أن نفعل ذلك يا رسول الله، فأنزل الله عزّ وجلّ: "وكلوا" يعني اللحم والدسم "واشربوا" اللبن، { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ }، بتحريم ما أحلّ الله لكم من اللحم والدسم، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }، الذين يفعلون ذلك. قال ابن عباس: كُلْ ما شئتَ والبسْ ما شئتَ ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة. قال علي بن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطِبَّ كله في نصف آية فقال: { كُلوا واشربوا ولا تسرفوا }.
قوله عزّ وجلّ: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }، يعني: لبس الثياب في الطواف، { وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ }، يعني: اللحم والدسم في أيام الحج.
وعن ابن عباس وقتادة: والطيبات من الرزق ما حرّم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب. { قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ }، فيه حذف تقديره: هي للذين آمنوا وللمشركين في الحياة الدنيا فإن أهل الشّرك يشاركون المؤمنين في طيبات الدنيا، وهي في الآخرة خالصة للمؤمنين لا حظّ للمشركين فيها.
وقيل: هي خالصة يوم القيامة من التنغيص والغم للمؤمنين، فإنها لهم في الدنيا مع التنغيص والغم.
قرأ نافع { خَالِصَةً } رفع، أي: قلْ هي للذين آمنوا مشتركين في الدنيا، خالصة يوم القيامة للمؤمنين. وقرأ الآخرون بالنصب على القطع، { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.