{ إِذْ أَنتُم } أي: إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين، { بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا }، أي: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، والدنيا: تأنيث الأدنى، { وَهُم }، يعني عدوكم من المشركين، { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ }، بشفير الوادي الأقصى من المدينة، والقصوى تأنيث الأقصى.
قرأ ابن كثير وأهل البصرة "بالعِدوة" بكسر العين فيهما، والباقون بضمهما، وهما لغتان كالكِسوة والكُسوة والرَّشوة والرُّشوة. { وَٱلرَّكْبُ }، يعني: العير يريد أبا سفيان وأصحابه، { أَسْفَلَ مِنكُمْ }، أي: في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، على ثلاثة أميال من بدر، { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ }، وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها، فالتقوا على غير ميعاد، فقال تعالى: "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد"، لقلَّتكم وكثرة عدوكم، { وَلَـٰكِنَّ } الله جمعكم على غير ميعاد، { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }، من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ }، أي: ليموت من يموت على بينة رآها وعبرة عاينها وحجّة قامت عليه. { وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ }، ويعيش من يعيش على بيّنة لوعده:
{ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]. وقال محمد بن إسحاق: ليكفر من كفر بعد حجّة قامت عليه، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، فالهلاك هو الكفر، والحياة هي الإيمان.
وقال قتادة: ليضلّ من ضلَّ عن بينة، ويهدي من اهتدى على بينة.
قرأ أهل الحجاز وأبو بكر ويعقوب "حَيِيَ" بيائين، مثل "خشي"، وقرأ الآخرون: بياء واحدة مشددة لأنه مكتوب بياء واحدة.
{ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ }، لدعائكم، { عَلِيمٌ }، بنياتكم.