قوله تعالى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ }، وهم من مُزينة وجُهينة وأشجع وأسلم وغفار، كانت منازلهم حول المدينة، يقول: من هؤلاء الأعراب منافقون، { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ }، أي: ومن أهل المدينة من الأَوس والخزرج قوم منافقون، { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ }، أي: مرنوا على النفاق، يقال: تمرد فلان على ربِّه أي: عتا ومرد على معصيته. أي: مرن وثبت عليها واعتادها. ومنه: المريد والمارد. وقال ابن إسحاق: لجوا فيه وأبوا غيرَه.
وقال ابن زيد: أقاموا عليه ولم يتوبوا.
{ لاَ تَعْلَمُهُمْ }، أنتَ يا محمد، { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ }، اختلفوا في هذين العذابين.
قال الكلبي والسدي:
"قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال: اخْرُجْ يا فلان فإنّك منافق اخرج يا فلان. أخرجَ ناساً من المسجد وفضحهم، فهذا هو العذاب الأول. والثاني: عذاب القبر" .
وقال مجاهد: الأول: القتل والسبي، والثاني: عذاب القبر. عنه رواية أخرى: عُذِّبُوا بالجوع مرتين.
وقال قتادة: الدُّبَيْلة في الدنيا وعذاب القبر.
وقال ابن زيد: الأولى المصائب في الأموال والأولاد في الدنيا، والأُخرى عذاب الآخرة.
وعن ابن عباس: الأولى إقامة الحدود عليهم، والأُخرى عذاب القبر.
وقال ابن إسحاق: هو ما يدخل عليهم من غيظ الإِسلام ودخولهم فيه من غير حسبة ثم عذاب القبر.
وقيل: إحداهما ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، والأخرى عذاب القبر.
وقيل: الأولى إحراق مسجدهم، مسجد الضرار، والأخرى إحراقهم بنار جهنم. { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }، أي: إلى عذاب جهنم يخلدون فيه.