التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٤
لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
٢٥
-التوبة

معالم التنزيل

ثم قال تعالى: { قُلْ } يا محمد للمتخلفين عن الهجرة: { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ }، وذلك أنه لما نزلت الآية الأولى قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنْ نحنُ هاجرنا ضاعت أموالُنا وذهبت تجاراتُنا وخُرّبتْ دورُنَا وقطعنا أرحامنا، فنزل: { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ }، قرأ أبو بكر عن عاصم: "عشيراتكم" بالألف على الجمع، والآخرون بلا ألف على التوحيد، لأن جمع العشيرة عشائر: { وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } اكتسبتموها { وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ }، أي: تستطيبونها يعني القصور والمنازل، { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ }، فانتظروا، { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ }، قال عطاء: بقضائه. وقال مجاهد ومقاتل: بفتح مكة وهذا أمر تهديد، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى } لا يُوفّق ولا يُرشد { ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ }، الخارجين عن الطاعة.

قوله تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ }، أي مشاهد، { كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ }، وحنين وادٍ بين مكة والطائف. وقال عروة: إلى جنب ذي المجاز.

وكانت قصة حنين على ما نقله الرواة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان، ثم خرج إلى حُنين لقتال هوازن وثقيف في اثني عشر ألفاً، ـ عشرة آلاف من المهاجرين وألفان من الطلقاء، قال عطاء كانوا ستة عشر ألفاً.

وقال الكلبي: كانوا عشرة آلاف، وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط، والمشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف النَّصْري، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل الثقفي، فلما التقى الجمعان قال رجل من الأنصار يقال له سلمة بن سلامة بن وقش: لن نُغلبَ اليومَ عن قلة، فساء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كلامُه، ووكلوا إلى كلمة الرجل. وفي رواية: فلم يرض الله قوله، ووَكَلَهم إلى أنفسهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم المشركون وخلوا عن الذراري، ثم نادوا: يا حماة السواد اذكروا الفضائح، فتراجعوا وانكشف المسلمون.

قال قتادة: وذكر لنا أن الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل القوم هربوا.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد العزيز أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق قال: "قال رجل للبراء بن عازب: يا أبا عُمارة فررتُم يومَ حنين؟ قال: لا والله ما ولَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شُبَّانُ أصحابِه وأَخِفَّاؤُهُم وهم حُسّرٌ ليس عليهم سلاحُ، أو كثيرُ سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نَصْر، فَرَشَقُوهم رَشْقَاً ما يكادون يخطئونَ، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر وقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب، ثم صفَّهُمْ" .

ورواه محمد بن إسماعيل عن عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق. وزاد قال: فما رُؤي مِنَ الناس يومئذ أشدُّ منه.

ورواه زكريا عن أبي إسحاق. وزاد قال البراء: كنا إذا احمرّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا لَلَّذي يحاذي به ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم. ـ

وروى شعبة عن أبي إسحاق قال: قال البراء: إن هوازن كانوا قوماً رماة، وإنّا لمّا لقيناهم حملنا عليهم، فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلونا بالسِّهام، فأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفرَّ.

قال الكلبي: كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من المسلمين وانْهَزَم سائرُ الناسِ.

وقال آخرون: لم يَبْقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ غير: العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، فقتل يومئذ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبدالغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم ابن الحجاج، قال: حدثنا أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن سرح، حدثنا ابن وهب، أخبرنا يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس: "شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة ابن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يُركِض بغلتَه قِبَلَ الكفار، وأنا آخذٌ بلجام بغلةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أكفُّها إرادةَ أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيْ عبَّاسُ: نادِ أصحابَ السَّمُرة، فقال عباس - وكان رجلاً صيِّتاً - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السّمُرة؟ قال: فوالله لكان عَطْفتَهُمْ حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يالبيك يالبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يامعشر الأنصار يامعشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: هذا حين حَمِيَ الوَطِيْسُ، ثم أخذ رسولُ الله حصياتٍ فرمَى بهنّ وجوهَ الكفار، ثم قال: انهزموا وربِّ محمد، فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فمازلت أرى حَدَّهم كليلاً، وأَمْرَهُمْ مُدْبِراً" .

وقال سلمة بن الأكوع: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنيناً قال فلما غَشُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نزلَ عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجُوه، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينه تراباً بتلك القبضة، فَوَلَّوا مُدْبِرين، فهزمهم الله عزّ وجلّ فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين" .

قال سعيد بن جبير: أمدَّ الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمِين.

وفي الخبر: "أن رجلاً من بني نضر يقال له شجرة، قال للمؤمنين بعد القتال: أين الخيل البُلْق والرجال الذين عليهم ثياب بيض، ما كنا نراكم فيهم إلاّ كهيئة الشامة وما كان قتلنا إلا بأيديهم، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الملائكة" .

قال الزهري: وبلغني أن شيبة بن عثمان بن طلحة قال: استدبرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن عثمان وعثمان بن طلحة، وكانا قد قتلا يوم أحد، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ما في نفسي فالتفتَ إليَّ وضرب في صدري وقال أعيذك بالله يا شيبة، فأرْعِدَتْ فرائصي، فنظرت إليه فهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقلت: أشهد أنكَ رسول الله، وإن الله قد أطلعك على ما في نفسي.

فلما هزم الله المشركين وولّوا مدبرين، انطلقوا حتى أتوا أوطاس وبها عيالهم وأموالهم، فبعث رسول الله رجلاً من الأشعريين يقال له أبو عامر وأمَّرَه على جيش المسلمين إلى أوطاس، فسار إليهم فاقتتلوا، وقتل: دريد بن الصَمَّة، وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم، وهرب أميرهم مالك بن عوف النصري، فأتى الطائف فتحصّنَ بها وأُخِذ مالُه، وأهله فيمن أخذ. وقُتل أميرُ المسلمين أبو عامر.

قال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبيّ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر، فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم، فأتى الجعرَّانة فأحرم منها بعُمرة وقسّم فيها غنائم حنين وأوطاس، وتألف أناساً منهم: أبو سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، فأعطاهم.

أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا الزهري، أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه "أنّ أناساً من الأنصار قالوا لرسول الله - حين أفاء الله على رسولِه من أموال هوازن ما أفاء، فَطَفِقَ يعطي رجالاً من قريش المائة من الإِبل - فقالوا: يَغْفِرُ الله لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُعطي قريشاً يَدَعُنَا وسيوفُنا تَقْطُرُ من دمائِهم؟ قال أنس: فَحُدِّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمقالتَهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قُبَّةٍ من أَدَمٍ ولم يَدْعُ معهم أحداً غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان حديثٌ بلغني عنكم؟ فقال له فقهاؤهم: أمّا ذوُو رأينا يا رسول الله، فلم يقولوا شيئاً، وأما أناسٌ منّا حديثةٌ أسنانُهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطي قريشاً ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأُعْطي رجالاً حديثي عهد بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رجالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم: إنكم سترون بعدي أَثَرَةً شديدة، فاصبروا حتى تَلْقَوا الله ورسوله على الحوض" .

وقال يونس عن ابن شهاب: "فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بالكفر أتألفهم" ، وقال: "فاصبروا حتى تلقَوُا اللّهَ ورسولَه فإني على الحوض، قالوا: سنصبر" .

أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبدالله بن زيد بن عاصم قال: "لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذْ لم يصبهم ما أصابه الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالَةً فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: اللَّهُ ورسولُه أمَنُّ قال: ما يمنعكم أن تُجيبوا رسولَ الله كلّما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمَنُّ؟ قال: لو شئتُم قلتُم كذا وكذا، أترْضَوْنَ أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امر من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، الأنصار شِعارٌ والناسُ دِثار، إنكم ستلقون بعدي أثَرَةً فاصْبرُوا حتى تلقوني على الحوض" .

أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر، أنا عبدالغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم ابن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان عن عمر ابن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج قال: أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أميّة وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإِبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس:

فَمَا كانَ حِصْنٌ ولا حَابِسٌيَفُوقَانِ مِرْدَاسَ في المَجْمَعِ
أَتَجْعَلُ نَهْبي ونَهْبَ العُبَــــــــيْدِ بَيْنَ عُيَينَةَ والأَقْرَعِ
وما كنتُ دونَ امرىءٍ مِنْهُمَاومن تَخْفِضِ اليَوْمَ لا يُرْفَعِ

قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.

وفي الحديث: أن ناساً من هوازن أقبلوا مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله أنت خيرُ الناس وأَبَرُّ الناس، وقد أُخِذَتْ أبناءنا ونساؤنا وأموالنا.

أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن مروان والمِسْوَر بن مَخْرَمَة أخبراه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردَّ إليهم أموالهم وسَبْيَهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن معي من ترون وأحبُّ الحديث إليَّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال. قالوا: فإنّا نختار سَبْيَنَا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله عزّ وجلّ بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أردَّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يُطَيِّبَ ذلك لهم فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظ حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا، فليفعل فقال الناس: قد طَيّبْنا ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندري من أذِن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا" . فأنزل الله تعالى في قصة حنين: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ }، حتى قلتم: لن نغلب اليوم من قلة، { فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ }، كثرتُكم، { شَيْئاً }، يعني: إن الظفر لا يكون بالكثرة، { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ }، أي: برحبها وسعتها، { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }، منهزمين.