التفاسير

< >
عرض

يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٦٢
أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ
٦٣
يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ
٦٤
-التوبة

معالم التنزيل

{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ }، قال قتادة والسُّدِّي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم الجُلاس بن سُوَيْد ووديعة بن ثابت، فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شرٌّ من الحمير، وكان عندهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس، فحقروه وقالوا هذه المقالة، فغضب الغلام وقال: والله إن ما يقول محمد حقٌّ وأنتم شرٌّ من الحمير، ثم أتى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعاهم وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفوا أنّ عامراً كذاب. وحلف عامر أنهم كذبة فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عامر يدعو ويقول: اللهم صدِّق الصادقَ وكذِّب الكاذبَ فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل والكلبي: نزلت في رهط من المنافقين تخلّفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون إليه ويحلفون، فأنزل الله تعالى هذه الآية: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }.

{ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }، يخالف الله ورسوله أي: يكون في جانب واحد من الله ورسوله، { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَٰلِكَ ٱلْخِزْىُ ٱلْعَظِيمُ }، أي: الفضيحة العظيمة.

{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ }، أي: يخشى المنافقون، { أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ }، أي: تنزل على المؤمنين، { سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم }، أي: بما في قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين، كانوا يقولون فيما بينهم ويُسرون ويخافون الفضيحة بنزول القرآن في شأنهم.

قال قتادة: هذه السورة كانت تُسمى الفاضحة والمبعثرة والمثيرة، أثارت مخازيهم ومثالبهم.

قال عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما: أنزل الله تعالى ذكر سبعين رجلاً من المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة للمؤمنين، لئلا يعير بعضهم بعضاً، لأنّ أولادهم كانوا مؤمنين.

{ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ }، مظهر { مَّا تَحْذَرُونَ }.

قال ابن كيسان: "نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلاً من المنافقين، وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة لمّا رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها، ومعهم رجل مسلم يخفيهم شأنه، وتنكروا له في ليلة مظلمة، فأخبر جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما قدّروا، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، وعمار بن ياسر يقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته، وحذيفة يسوق به، فقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحاها، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة: من عرفت من القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنهم فلان وفلان حتى عدَّهم كلهم، فقال حذيفة: ألاَ تبعثُ إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن تقول العرب. لما ظفر محمد بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيناهم الله بالدُّبَيْلَة" .

أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر، أنبأنا عبدالغافر بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عبادة قال: "قلنا لعمَّار أرأيتكم قتالكم أرأياً رأيتموه؟ فإن الرأي يُخطىء ويصيب، أو عهد عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عَهِدَ إلينا رسولُ الله شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ في أمتي ــ قال شعبة وأحسبه قال: حدثني حذيفة قال: قال في أمتي ــ إثني عشر منافقاً لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، حتى يَلِجَ الجمل في سَمِّ الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدُّبَيْلة، سراجٌ من النار يظهر في أكتافهم، حتى ينجم من صدورهم" .