التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢
-يونس

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية قال مجاهد نزلت في دعاء الرجل على نفسه أو ماله أو ولده ونحو هذا، فأخبر الله تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر، تقديرها ولا يفعل ذلك ولكن يذر الذين لا يرجون فاقتضب القول وتوصّل إلى هذا المعنى بقوله { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا } فتأمل هذا التقدير تجده صحيحاً، و { استعجالهم } نصب على المصدر، والتقدير مثل استعجالهم، وقيل: التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم، وهذا قريب من الأول، وقيل إن هذه الآية نزلت في قوله { { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [الأنفال:32] وقيل نزلت في قوله { { آتنا بما تعدنا } [الأعراف: 77] وما جرى مجراه، وقرأ جمهور القراء " لقُضي" على بناء الفعل للفاعل ورفع "الأجلُ" وقرأ ابن عامر وحده وعوف وعيسى بن عمر ويعقوب، "لقضى" على بناء الفعل للفاعل ونصب " الأجلَ"، وقرأ الأعمش: " لقضينا"، و" الأجل " في هذا الموضع أجل الموت، ومعنى قضى في هذه الآية أكمل وفرغ، ومنه قول أبي ذؤيب: [الكامل ]

وعليهما مسرودتان قضاهما داودُ أوْ صَنَعُ السوابغِ تبع

وأنشد أبو علي في هذا المعنى: [الطويل ]

قضيت أموراً ثم غادرت بعدها فوائح في أكمامها لم تفتق

وتعدّى " قضى" في هذه الآية بـ " إلى " لما كان بمعنى فرغ، وفرغ يتعدى بإلى ويتعدى باللام، فمن ذلك قول جرير:

ألانَ فقد فرغت إلى نُمَير فصرت على جماعتها عذابا

ومن الآخر قوله عز وجل { { سنفرغ لكم أيه الثقلان } [الرحمن:31] وقرأ الأعمش:" فنذر الذين لا يرجون لقاءنا "، و { يرجون } في هذا الموضع على بابها والمراد الذين لا يؤمنون بالبعث فهم لا يرجون لقاء الله، والرجاء مقترن أبداً بخوف، " والطغيان " الغلو في الأمر وتجاوز الحد، و" العمه " الخبط في ضلال، فهذه الآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في الناس، يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة فيحملهم أحياناً سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا، وقوله تعالى: { وإذا مسّ الإنسان الضر } الآية، هذه الآية أيضاً عتاب على سوء الخلق من بعض الناس، ومضمنه النهي عن مثل هذا والأمر بالتسليم إلى الله تعالى والضراعة إليه في كل حال والعلم بأن الخير والشر منه لا رب غيره، وقوله { لجنبه } في موضع حال كأنه قال: مضطجعاً، ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان والعامل فيه { مس }، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير الفاعل في { دعانا } والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان، و { الضر } لفظ لجميع الأمراض، والرزايا في النفس والمال والأحبة هذا قول اللغويين، وقيل هو مختص برازيا البدن، الهزال والمرض، وقوله { مر } يقتضي أن نزولها في الكفار ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر أو عاص، فمعنى الآية { مر } في إشراكه بالله وقلة توكله عليه، وقوله { زين } إن قدرناه من الله تعالى فهو خلقه الكفر لهم واختراعه في نفوسهم صحبة أعمالهم الفاسدة ومثابرتهم عليها، وإن قدرنا ذلك من الشيطان فهو بمعنى الوسوسة والمخادعة، ولفظة التزيين قد جاءت في القرآن بهذين المعنيين من فعل الله تعالى ومرة من فعل الشياطين.