التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١١
-هود

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ أذقنا } ها هنا مستعارة، لأن " الرحمة " ها هنا تعم جميع ما ينتفع به من مطعوم وملبوس وجاه وغير ذلك. و { الإنسان } ها هنا اسم الجنس والمعنى أن هذا الخلق في سجية الناس، ثم استثنى منهم الذين ردتهم الشرائع والإيمان إلى الصبر والعمل الصالح.
و { يؤوس } و { كفور } بناءان للمبالغة، و { كفور } ها هنا من كفر النعمة، والمعنى أنه ييأيس ويحرج ويتسخط، ولو نظر إلى نعمة الله الباقية عليه في عقله وحواسه وغير ذلك، ولم يكفرها لم يكن ذلك، فإن اتفق هذا أن يكون في كافر أيضاً بالشرع صح ذلك ولكن ليس من لفظ الآية.
وقال بعض الناس في هذه الآية: { الإنسان } إنما يراد به الكافر وحمله على ذلك لفظة { كفور }، وهذا عندي مردود، لأن صفة الكفر لا تطلق على جميع الناس كما تقتضي لفظة الإنسان.
و" النعماء " تشمل الصحة والمال ونحو ذلك و" الضراء " من الضر وهو أيضاً شامل. وقد يكثر استعمال الضراء فيما يخص البدن.
ولفظة { ذهب السيئات عني } تقتضي بطراً وجهلاً أن ذلك بإنعام من الله، واعتقاد أن ذلك اتفاق أو بسعد من الاعتقادات الفاسدة، وإلا فلو قالها من يعتقد أن ذهابها بإنعام من الله وفضل، لم يقع ذلك.
و { السيئات } ها هنا كل ما يسوء في الدنيا.
وقرأت فرقة " لفرِح" بكسر الراء، وقرأت فرقة: لفرُح" بضمها، وهذا الفرح مطلق، ولذلك ذم، إذ الفرح انهمال النفس: ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحاً إلا إذا قيد بأنه في خير.
وقوله تعالى: { إلا الذين صبروا }، الآية هذا الاستثناء متصل على ما قدمناه من أن الإنسان عام يراد به الجنس: ومن قال إنه مخصوص بالكافر قال هاهنا: إن الاستثناء منقطع، وهو قول ضعيف من جهة المعنى وأما من جهة اللفظ فجيد، وكذلك قاله من النحاة قوم.
واستثنى الله تعالى من الماشين على سجية الإنسان هؤلاء الذين حملتهم الأديان على الصبر على المكاره ومثابرة عبادة الله: وليس شيء من ذلك في سجية البشر وإنما حمل على ذلك حب الله وخوف الدار الآخرة. و"الصبر" و"العمل الصالح" لا ينفع إلا مع هداية وإيمان، ثم وعد تعالى أهل هذه الصفة تحريضاً عليها وحضاً، بالمغفرة للذنوب والتفضل بالأجر والنعيم.