التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢١
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٢٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٣
مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٢٤
-هود

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ خسروا أنفسهم } بوجوب العذاب عليهم، ولا خسران أعظم من خسران النفس، و { ضل } معناه: تلف ولم يجدوه حيث أملوه. و { لا جرم } لفظة مركبة من: { لا }، ومن: { جرم } بنيتا. ومعنى { لا جرم }: حق. هذا مذهب سيبويه والخليل. وقال بعض النحويين: معناها: لا بد ولا شك ولا محالة وقد روي هذا عن الخليل. وقال الزجاج: { لا } رد عليهم، ولما تقدم من كل ما قبلها، و { جرم } معناه: كسب، أي كسب فعلهم { أنهم في الآخرة هم الأخسرون }. فموضع "أن" على مذهب سيبويه رفع: وموضعها على مذهب الزجاج - نصب. وقال الكسائي معناها لا صد ولا منع.
قال القاضي أبو محمد: فكأن { جرم } على هذا من معنى القطع، تقول: جرمت أي قطعت: وهي على منزع الزجاج من الكسب ومنه قول الشاعر: [الطويل]

جريمتنا هض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا

وجريمة القوم كاسبهم.
وأما قول الشاعر جرير:

ولقد طعنت أبا أميمة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

فيحتمل الوجهين: ويختلف معنى البيت.
وفي { لا جرم } لغات: يقول بعض العرب: لا ذا جرم، وبعضهم: لا أن ذا جرم، وبعضهم: لا عن ذا جرم، وبعضهم: لا جر، حذفوا الميم لكثرة استعماله.
و { أخبتوا } قيل معناه: خشعوا، قاله قتادة، وقيل: أنابوا، قاله ابن عباس، وقيل: اطمأنوا، قاله مجاهد، وقيل: خافوا، قاله ابن عباس أيضاً، وهذه الأقوال بعضها قريب من بعض، وأصل اللفظ من الخبت، وهو البراح القفر المستوي من الأرض؛ فكأن المخبت في القفر قد انكشف واستسلم وبقي ذا منعة، فشبه المتذلل الخاشع بذلك، وقيل: إنما اشتق منه لاستوائه وطمأنينته.
وقوله { إلى ربهم } قيل: هي بمعنى اللام أي أخبتوا لربهم. وقيل: المعنى جعلوا قصدهم بإخباتهم إلى ربهم، و"الفريقان" الكافرون والمؤمنون: شبه الكافر بـ { الأعمى والأصم }، وشبه المؤمن بـ { البصير والسميع } فهو على هذا تمثيل بمثالين. وقال بعض المتأولين: التقدير كالأعمى الأصم والبصير السميع ودخلت واو العطف كما تقول: جاءني زيد العاقل والكريم، وأنت تريده بعينه؛ فهو على هذا تمثيل بمثال واحد.
و { مثلاً } نصب على التمييز. ويجوز أن يكون حالاً.