التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
١٠٠
-هود

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

"الآيات": العلامات، و "السلطان": البرهان والبيان في الحجة؛ قيل: هو مشتق من السليط الذي يستضاء به، وقيل: من أنه مسلط على كل مناو ومخاصم، و"الملأ": الجمع من الرجال والمعنى: أرسلناه إليهم ليؤمنوا بالله تعالى، فصدهم فرعون فاتبعوا أمره ولم يؤمنوا وكفروا، ثم أخبر تعالى عن أمر فرعون أنه ليس { برشيد } أي ليس بمصيب في مذهبه ولا مفارق للسفاهة.
وقوله: { يقدم قومه يوم القيامة } الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية عن فرعون أنه يأتي يوم القيامة مع قومه المغرقين معه، وهو يقدمهم إلى النار: وأوقع الفعل الماضي في { أوردهم } موقع المستقبل، لوضوح الأمر وارتفاع الإشكال عنه، ووجه الفصاحة من العرب في أنها تضع أحياناً الماضي موضع المستقبل أن الماضي أدل على وقوع الفعل وحصوله، و"الورود" في هذه الآية هو ورود الدخول وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله تعالى:
{ { ولما ورد ماء مدين } [القصص: 23] وقال ابن عباس: في القرآن أربعة أوراد: { { وإن منكم إلا واردها } [مريم: 71] وقوله: { { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } [مريم: 86] وهذه في مريم، وفي الأنبياء: { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } } [الأنبياء: 98] قال: وهي كلها ورد دخول، ثم ينجي الله الذين اتقوا و { المورود } صفة لمكان الورد - على أن التقدير: { وبئس } مكان { الورد المورود } - وقيل: { المورود } ابتداء والخبر مقدم، والمعنى: المورود بئس الورد.
وقوله: { في هذه } يريد دار الدنيا، و"اللعنة" إبعادهم بالغرق والاستئصال وقبيح الذكر غابر الدهر، وقوله: { ويوم القيامة } أي يلعنون أيضاً بدخولهم في جهنم، قال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس ما يرفدون به فهي لعنة واحدة أولاً، وقبح إرفاد آخراً، وقوله: { بئس الرفد المرفود } أي بئس العطاء المعطى لهم، و { الرفد } في كلام العرب: العطية وسمي العذاب هنا رفداً لأن هذا هو الذي حل محل الرفد، وهذا كما تقول: يا فلان لم يكن خيرك إلا أن تضربني أي لم يكن الذي حل محل الخير منك، والإرفاد: المعونة. ومنه رفادة قريش: معونتهم لفقراء الحج بالطعام الذي كانوا يطعمونه في الموسم.
وقوله: { ذلك من أنباء الغيب } الآية، { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من ذكر العقوبات النازلة بالأمم المذكورة، و "الأنباء" الأخبار. و { القرى } يحتمل أن يراد بها القرى التي ذكرت في الآيات المتقدمة خاصة، ويحتمل أن يريد القرى عامة، أي هذه الأنباء المقصوصة عليك هي عوائد المدن إذا كفرت، فيدخل - على هذا التأويل - فيها المدن المعاصرة، ويجيء قوله: { منها قائم وحصيد } منها عامر ودائر، وهذا قول ابن عباس: وعلى التأويل الأول - في أنها تلك القرى المخصوصة - يكون قوله: { قائم وحصيد } بمعنى قائم الجدرات ومتهدم لا أثر له، وهذا قول قتادة وابن جريج، والآية بجملتها متضمنة التخويف وضرب المثل للحاضرين من أهل مكة وغيرهم.