التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٦٤
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
-يوسف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله { هل } توقيف وتقرير، وتألم يعقوب عليه السلام من فرقة بنيامين، ولم يصرح بمنعهم من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة، لكنه أعلمهم بقلة طمأنينته إليهم. وأنه يخاف عليه من كيدهم، ولكن ظاهر أمرهم أنهم كانوا نبئوا وانتقلت حالهم، فلم يخف كمثل ما خاف على يوسف من قبل، لكن أعلم بأن في نفسه شيئاً، ثم استسلم لله تعالى، بخلاف عبارته في قصة يوسف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم - في رواية أبي بكر - "خير حفظاً" وقرأ حمزة والكسائي وحفص - عن عاصم - "خير حافظاً" ونصب ذلك - في القراءتين - على التمييز. وقال الزجاج: يجوز أن ينصب "حافظاً" على الحال، وضعف ذلك أبو علي الفارسي، لأنها حال لا بد للكلام والمعنى منها، وذلك بخلاف شرط الحال، وإنما المعنى أن حافظ الله خير حافظكم. ومن قرأ "حفظاً" فهو مع قولهم: { ونحفظ أخانا }. ومن قرأ "حافظاً" فهو مع قولهم
{ { وإنا له لحافظون } [يوسف: 63] فاستسلم يعقوب عليه السلام لله وتوكل عليه. قال أبو عمرو الداني: قرأ ابن مسعود: "فالله خير حافظ وهو خير الحافظين".
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا بعد.
وقوله: { فتحوا متاعهم } سمى المشدود المربوط بحملته متاعاً، فلذلك حسن الفتح فيه، قرأ جمهور الناس: "رُدت" بضم الراء، على اللغة الفاشية عن العرب، وتليها لغة من يشم، وتليها لغة من يكسر. وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب "رِدت" بكسر الراء على لغة من يكسر - وهي في بني ضبة -، قال أبو الفتح: وأما المعتل - نحو قيل وبيع - فالفاشي فيه الكسر، ثم الإشمام، ثم الضم، فيقولون: قول وبوع، وأنشد ثعلب: [الرجز]

........وقول لا أهل له ولا مال

قال الزجاج: من قرأ: "رِدت" بكسر الراء - جعلها منقولة من الدال - كما فعل في قيل وبيع - لتدل على أن أصل الدال الكسرة.
وقوله { ما نبغي } يحتمل أن تكون { ما } استفهاماً، قاله قتادة. و { نبغي } من البغية، أي ما نطلب بعد هذه التكرمة؟ هذا مالنا رد إلينا مع ميرتنا. قال الزجّاج: ويحتمل أن تكون { ما } نافية، أي ما بقي لنا ما نطلب، ويحتمل أيضاً أن تكون نافية، و { نبغي } من البغي، أي ما تعدينا فكذبنا على هذا الملك ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة.
وقرأ أبو حيوة "ما تبغي" - بالتاء، على مخاطبة يعقوب، وهي بمعنى: ما تريد وما تطلب؟ قال المهدوي: وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت فرقة: "ونَمير" بفتح النون - من مار يمير: إذا جلب الخير، ومن ذلك قول الشاعر: [الوافر]

بعثتك مائراً فمكثت حولاً متى يأتي غياثك من تغيث

وقرأت عائشة رضي الله عنها: "ونُمير" بضم النون - وهي من قراءة أبي عبد الرحمن السلمي - وعلى هذا يقال: مار وأمار بمعنى....؟
وقولهم: { ونزداد كيل بعير } يريدون بعير أخيهم إذ كان يوسف إنما حمل لهم عشرة أبعرة ولم يحمل الحادي عشر لغيب صاحبه: وقال مجاهد: { كيل بعير } أراد كيل حمار. قال: وبعض العرب يقول للحمار بعير.
قال القاضي أبو محمد: وهذا شاذ.
وقولهم: { ذلك كيل يسير } تقرير بغير ألف، أي أذلك كيل يسير في مثل هذا العام فيهمل أمره؟ وقيل: معناه: { يسير } على يوسف أن يعطيه. وقال الحسن البصري: وقد كان يوسف وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن؛ وقال السدي: معنى { ذلك كيل يسير } أي سريع لا نحبس فيه ولا نمطل.
قال القاضي أبو محمد: فكأنهم أنسوه على هذا بقرب الأوبة.