التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-إبراهيم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله: { أفي الله } مقدر فيه ضمير تقديره عند كثير من النحويين أفي إلوهية الله شك؟ وقال أبو علي الفارسي: تقديره: أفي وحدانية الله شك؟.
قال القاضي أبو محمد: وزعم بعض الناس: أن أبا علي إنما فزع إلى هذه العبارة حفظاً للاعتزال وزوالاً عما تحتمله لفظة الألوهية من الصفات بحسب عمومها، ولفظة الوحدانية مخلصة من هذا الاحتمال.
و"الفاطر" المخترع المبتدي، وسوق هذه الصفة احتجاج على الشاكين يبين التوبيخ، أي أيشك فيمن هذه صفته؟ فساق الصفة التي هي منصوبة لرفع الشك.
وقوله: { من ذنوبكم } ذهب بعض النحاة إلى أنها زائدة، وسيبويه يأبى أن تكون زائدة ويراها للتبعيض.
قال القاضي أبو محمد: وهو معنى صحيح، وذلك أن الوعد وقع بغفران الشرك وما معه من المعاصي، وبقي ما يستأنفه أحدهم بعد إيمانه من المعاصي مسكوتاً عنه ليبقى معه في مشيئة الله تعالى، فالغفران إنما نفذ به الوعد في البعض، فصح معنى { من }.
وقوله: { ويؤخركم إلى أجل مسمى } قد تقدم القول فيه في سورة الأعراف، في قوله:
{ { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [الأعراف: 34] وجلبت هذه هناك بسبب ما يظهر بين الآيتين من التعارض. ويليق هنا أن نذكر مسألة المقتول: هل قطع أجله أم ذلك هو أجله المحتوم عليه؟.
فالأول هو قول المعتزلة، والثاني قول أهل السنة.
فتقول المعتزلة: لو لم يقتله لعاش، وهذا سبب القود.
وقالت فرقة من أهل السنة، لو لم يقتله لمات حتف أنفه.
قال أبو المعالي: وهذا كله تخبط، وإنما هو أجله الذي سبق في القضاء أنه يموت فيه على تلك الصفة، فمحال أن يقع غير ذلك، فإن فرضنا أنه لو لم يقتله وفرضنا مع ذلك أن علم الله سبق بأنه لا يقتله، بقي أمره في حيز الجواز في أن يعيش أو يقتل، وكيفما كان علم الله تعالى يسبق فيه.
وقول الكفرة { إن أنتم إلا بشر مثلنا } فيه استبعاد بعثة البشر، وقال بعض الناس: بل أرادوا إحالته، وذهبوا مذهب البراهمة أو من يقول من الفلاسفة: إن الأجناس لا يقع فيها هذا التباين.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر كلامهم لا يقتضي أنهم أغمضوا هذا الإغماض، ويدل على ما ذكرت أنهم طلبوا منهم الإتيان بآية، و { سلطان مبين }، ولو كانت بعثتهم عندهم محالاً لما طلبوا منهم حجة، ويحتمل أن طلبهم منهم السلطان إنما هو على جهة التعجيز، أي بعثتكم محال وإلا { فأتونا بسلطان مبين }، أي إنكم لا تفعلون ذلك أبداً، فيتقوى بهذا الاحتمال منحاهم إلى مذهب الفلاسفة.