التفاسير

< >
عرض

مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٩
وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
٢٠
-إبراهيم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

اختلف في الشيء الذي ارتفع به قوله: { مثل }، فمذهب سيبويهرحمه الله أن التقدير: فيما يتلى عليكم أو يقص: { مثل الذين كفروا }. ومذهب الكسائي والفراء: أنه ابتداء خبره { كرماد } والتقدير عندهم: مثل أعمال الذين كفروا كرماد، وقد حكي عن الفراء: أنه يرى إلغاء { مثل } وأن المعنى: الذين كفروا أعمالهم كرماد، وقيل: هو ابتداء و { أعمالهم } ابتداء ثان، و { كرماد } خبر الثاني، والجملة خبر الأول، وهذا عندي أرجح الأقوال وكأنك قلت: المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة، وهي: { أعمالهم كرماد }. وهذا يطرد عندي في قوله تعالى: { { مثل الجنة } [الرعد: 35، محمد: 15]. وشبهت أعمال الكفرة ومساعيهم في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها بالرماد الذي تذروه الريح، وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى أثر، ولا يجتمع منه شيء، ووصف "اليوم" بـ "العصوف" - وهي من صفة الريح بالحقيقة - لما كانت في اليوم، ومن هذا المعنى قول الشاعر [جرير]:

لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم

ومنه قول الآخر:

يومين غيمين ويوماً شمساً

فأعمال الكفرة لتلاشيها لا يقدرون منها على شيء.
وقرأ نافع وحده وأبو جعفر "الرياح" والباقون "الريح" بالإفراد وقد تقدم هذا ومعناه مستوفى بحمد الله.
وقوله: { ذلك } إشارة إلى كونهم بهذه الحال، وعلى مثل هذا الغرور، و { الضلال البعيد } الذي قد تعمق فيه صاحبه وأبعد عن لاحب النجاة.
وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بكر "في يوم عاصف" بإضافة يوم إلى عاصف، وهذا بين، وقرأ السلمي: "ألم تر" بسكون الراء، بمعنى ألم تعلم من رؤية القلب. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: "خلق السماوات" وقرأ حمزة والكسائي "خالق السماوات" فوجه الأولى: أنه فعل قد مضى، فذكر كذلك، ووجه الثانية: أنه كـ
{ { فاطر السماوات والأرض } [الأنعام: 14 يوسف: 101 إبراهيم: 10 الزمر: 46 الشورى: 11] و { { فالق الإصباح } [الأنعام: 96].
وقوله: { بالحق } أي بما يحق في جوده، ومن جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، ولتدل عليه وعلى قدرته. ثم توعد تبارك وتعالى بقوله: { إن يشأ يذهبكم } أي يعدمكم ويطمس آثاركم. وقوله: { بخلق جديد } يصح أن يريد: من فرق بني آدم، ويصح غير ذلك، وقوله: { وما ذلك على الله بعزيز } أي بممتنع.