التفاسير

< >
عرض

وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٤٩
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٥١
هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٥٢
-إبراهيم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ المجرمين } هم الكفار، و { مقرنين } مربوطين في قرن، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر: [البسيط].

وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس

و { الأصفاد } الأغلال، واحدها: صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده: إذا غلله، والاسم: الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل: [الوافر]

وزيد الخيل قد لاقى صفاداً يعض بساعد وبعظم ساق

وكذلك يقال في العطاء، و"الصفد" العطاء، ومنه قول النابغة.

فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد

و"السرابيل": القمص، و"القطران" هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال: "قَطِران" بفتح القاف وكسر الطاء، ويقال: "قِطْران" بكسر القاف وسكون الطاء، ويقال: "قَطْران" بفتح القاف وسكون الطاء.
وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف، وابن عباس وأبو هريرة وعلقمة وسنان بن سلمة وعكرمة وابن سيرين وابن جبير والكلبي وقتادة وعمرو بن عبيد "من قطر آن" و"القطر": القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر أنه قال: ليس بالقطران ولكنه النحاس يسر بلونه. و"آن" وهو الطائب الحار الذي قد تناهى حره؛ قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقال ابن عباس المعنى: أنى أن يعذبوا به.
وقرأ جمهور الناس "وجوهَهم" بالنصب، "النارُ" بالرفع. وقرأ ابن مسعود "وجوهُهم" بالرفع. "النارَ" بالنصب. فالأولى على نحو قوله:
{ { والليل إذا يغشى } [الليل: 1] فهي حقيقة الغشيان، والثانية على نحو قول الشاعر: [الكامل]

يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل

فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان.
وقوله: { ليجزي } أي لكي يجزي، واللام متعلقة بفعل مضمر، تقديره: فعل هذا، وأنفذ هذا العقاب على المجرمين ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته. وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن، لينبه على أن المحسن أيضاً يجازى بإحسانه خيراً.
وقوله: { سريع الحساب } أي فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها. لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد.
وقوله: { هذا بلاغ للناس } الآية، إشارة إلى القرآن والوعيد الذي يتضمنه ووصفه بالمصدر في قوله: { بلاغ } والمعنى: هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به.
وقرأ جمهور الناس "ولينذَروا" بالياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول. وقرأ يحيى بن عمارة وأحمد بن يزيد بن أسيد: "ليَنذَروا به" بفتح الياء والذال كقول العرب: نذرت بالشيء إذا أشعرت وتحرزت منه وأعددت وروي أن قوله: { وليذكر أولو الألباب } نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.