التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
٦
لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٧
مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ
٨
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٩
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ
١٠
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
١١
-الحجر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في { قالوا } يراد به كفار قريش. ويروى أن القائلين كانوا: عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، وأشباههما.
وقرأ الأعمش: "يا أيها الذي ألقي إليه الذكر".
وقولهم: { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } كلام على جهة الاستخفاف، أي بزعمك ودعواك، وهذه المخاطبة كما تقول لرجل جاهل أراد أن يتكلم فيما لا يحسن: يا أيها العالم لا تحسن تتوضأ.
و { لو ما } بمعنى لو لا، فتكون تحضيضاً - كما في هذه الآية - وقد تكون دالة على امتناع الشيء لوجود غيره، كما قال ابن مقبل: [البسيط]

لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: "ما تنزل الملائكة" بفتح التاء والرفع وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر - "ما تُنزلُ" بضم التاء والرفع، وهي قراءة يحيى بن وثاب، وقرأ حمزة والكسائي وحفص "ما ننزلُ بنون العظمة - "الملائكةَ بالنصب، وهي قراءة طلحة بن مصرف.
وقوله: { إلا بالحق } قال مجاهد: المعنى: بالرسالة والعذاب.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن معناه: كما يجب ويحق من الوحي والمنافع التي رآها الله لعباده، لا على اقتراح كافر، ولا باختيار معترض.
ثم ذكر عادة الله في الأمم من أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في إثرها إن لم يؤمنوا. فكأن الكلام: ما تنزل الملائكة إلا بالحق وواجب، لا باقتراحكم؛ وأيضاً فلو نزلت لم تنظروا بعد ذلك بالعذاب، أي تؤخروا، و"النظرة": التأخير، المعنى: فهذا لا يكون، إذ كان في علم الله أن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن.
وقوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر } رد على المستخفين في قولهم: { يا أيها الذي نزل عليه الذكر }. وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف: يا عظيم القدر، فتقول له - على جهة الرد والنجه: نعم أنا عظيم القدر. ثم تأخذ في قولك - فتأمله.
وقوله: { وإنا له لحافظون } قالت فرقة: الضمير في { له } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي يحفظه من أذاكم ويحوطه من مكركم وغيره، ذكر الطبري هذا القول ولم ينسبه؛ وفي ضمن هذه العدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله به الشرع وحان أجله. وقالت فرقة - وهي الأكثر - الضمير في { له } عائد على القرآن وقاله مجاهد وقتادة، والمعنى: { لحافظون } من أن يبدل أو يغير، كما جرى في سائر الكتب المنزلة، وفي آخر ورقة من البخاري عن ابن عباس: أن التبديل فيها إنما كان في التأويل وأما في اللفظ فلا؛ وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ، ووضع اليد في آية الرجم هو في معنى تبديل الألفاظ. وقيل: { لحافظون } باختزانه في صدور الرجال.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى متقارب، وقال قتادة: هذه الآية نحو قوله تعالى:
{ { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } [فصلت: 42].
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: { ولقد أرسلنا من قبلك } الآية، تسلية للنبي عليه السلام وعرض أسوة، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الاستهزاء في قولهم: { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } وغير ذلك، فقد تقدم منا إرسال الرسل في شيع الأولين، وكانت تلك سيرتهم في الاستهزاء بالرسل. و { شيع } جمع شيعة، وهي الفرقة التابعة لرأس ما: مذهب أو رجل أو نحوه وهي مأخوذة من قولهم: شيعت النار: إذا استدمت وقدها بحطب أو غيره، فكأن الشيعة تصل أمر رأسها وتظهره وتمده بمعونة. وقوله: { أرسلنا } يقتضي رسلاً، ثم أوجز باختصار ذكرهم لدلالة الظاهر من القول على ذلك.