التفاسير

< >
عرض

قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ
٩٣
رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٩٤
وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ
٩٥
ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
٩٦
وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ
٩٧
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ
٩٨
-المؤمنون

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك، و"إن" شرط و"ما" زائدة، و { تريني } جزم بالشرط لزمت النون الثقيلة وهي لا تفارق "إما" عند المبرد، ويجوز عند سيبويه أن تفارق فيقال { إما تريني } لكن استعمال القرآن لزومها فمن هنالك ألزمها المبرد، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله ثم نظيره لسائر الأمة دعاء في جودة الخاتمة، وفي هذه الآية بجملتها إعلام بقرب العذاب منهم كما كان في يوم بدر، وقوله ثانياً اعتراض بين الشرط وجوابه، وقوله { ادفع بالتي هي أحسن } الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال، وقوله { نحن أعلم بما يصفون } يقتضي أنها آية موادعة، وقال مجاهد "الدفع بالتي هي أحسن" هو السلام يسلم عليه إذا لقيه، وقال الحسن: والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه عما يكره.
قال الفقيه الإمام القاضي: هذه الطرفان وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا وأمره بالتعوذ من الشيطان في "همزاته" وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة، فلذلك اتصلت بهذه الآية، وقال ابن زيد: "همز الشيطان" الجنون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"اللهم إني أعوذ بك من الشيطان، همزه ونفخه ونفثه" قال أبو داود همزه الموتة وهي الجنون ونفخه الكبر ونفثه السحر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والنزعات وسورات الغضب من الشيطان وهي المتعوذ منها في الآية، والتعوذ من الجنون أيضاً وكيد، وفي قراءة أبي بن كعب "رب عائذاً بك من همزات الشياطين وعائذاً بك رب أن يحضرون"، وقوله { أن يحضرون } أن يكونوا معي في أموري فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز فإذا لم يكن حضور فلا همز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأصل الهمز الدفع والوخز بيد وغيرها ومنه همز الخيل وهمز الناس باللسان وقيل لبعض العرب أتهمز الفأرة، سئل بذلك عن اللفظة فظن أن المراد شخص الفأرة فقال الهر يهمزها.