التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٤٢
وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ
٤٣
-العنكبوت

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

شبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك بـ { العنكبوت } التي تبني وتجتهد وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة أذهبته فكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد، ومن حديث ذكره النقاش "العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه" ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر"، وقوله { لو كانوا يعلمون }، أي { يعلمون } أن هذا مثلهم وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحال، وقوله { إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء }.
قرأ أبو عمرو وسلام "يعلم ما" بالإدغام، وقرأ عامة القراء بالفك، وقرأ الجمهور "تدعون" بالتاء من فوق، وقرأ أبو عمرو وعاصم بخلاف "يدعون" بالياء من تحت على الغيبة، فأما موضع { ما } من الإعراب فقيل معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه وأنهم لا قدرة لهم، وقيل قوله { إن الله يعلم } إخبار تام، وقوله { وهو العزيز الحكيم } متصل به، واعترض بين الكلامين { ما تدعون من دونه من شيء }، وذلك على هذا النحو من النظر يحتمل معنيين أحدهما أن تكون { ما } نافية أي لستم تدعون شيئاً له بال ولا قدر ولا خلاق فيصلح أن يسمى شيئاً وفي هذا تعليق { يعلم } وفيه نظر، الثاني أن تكون { ما } استفهاماً كأنه قرر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذا لم يكن الله تعالى أي ليس لهم على هذا التقرير جواب مقنع البتة، فـ { من } على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد ومعناها التأكيد، وقال أبو علي { ما } استفهام نصب بـ { تدعون } ولا يجوز نصبها بـ { يعلم }، والتقدير أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه أو غيره لا يخفى ذلك عليه، وقوله { وتلك الأمثال } إشارة إلى هذا المثل ونحوه، و { نضربها } مأخوذ من الضرب أي النوع كما تقول هذان من ضرب واحد وهذا ضريب هذا أي قرينه وشبهه، فكأن ضرب المثل هو أن يجعل للأمر الممثل ضريب، وباقي الآية بين. وقرأت فرقة "يدعون" بالياء من تحت، وقرأت فرقة "تدعون" بالتاء على المخاطبة، وقال جابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إلا العالمون }:
"العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته" .