التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ
١٧٣
فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
١٧٤
-آل عمران

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ الذين } صفة للمحسنين المذكورين، وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين حملهم أبو سفيان ذلك، وقد ذكرته قبل، فــ { الناس } الأول ركب عبد القيس و { الناس } الثاني عسكر قريش، وقوله تعالى: { فزادهم إيماناً }، أي ثبوتاً واستعداداً، فزيادة الإيمان في هذا هي في الأعمال، وأطلق العلماء عبارة: أن الإيمان يزيد وينقص، والعقيدة في هذا أن نفس الإيمان الذي هو تصديق واحد بشيء ما، إنما هو معنى فرد لا تدخله زيادة إذا حصل، ولا يبقى منه شيء إذا زال، فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقص في متعلقاته دون ذاته فذهب بعض العلماء إلى أنه يقال: يزيد وينقص من حيث تزيد الأعمال الصادرة عنه وتنقص، لا سيما أن كثيراً من العلماء يوقعون اسم الإيمان على الطاعات، وذهب قوم: إلى أن الزيادة في الإيمان إنما هي بنزول الفروض والإخبار في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المعرفة بها بعد الجهل غابر الدهر وهذا إنما زيادة إيمان إلى إيمان، فالقول فيه إن الإيمان يزيد وينقص قول مجازي ولا يتصور النقص فيه على هذا الحد وإنما يتصور الأنقص بالإضافة إلى الأعلم، وذهب قوم من العلماء: إلى أن زيادة الإيمان ونقصه إنما هي من طريق الأدلة، فتزيد الأدلة عند واحد، فيقال في ذلك: إنها زيادة في الإيمان، وهذا كما يقال في الكسوة، إنها زيادة في الإيمان، وذهب أبو المعالي في الإرشاد: إلى أن زيادة الإيمان ونقصانه إنما هو بثبوت المعتقد وتعاوره دائباً، قال: وذلك أن الإيمان عرض وهو لا يثبت زمانين فهو للنبي صلى الله عليه وسلم وللصلحاء متعاقب متوال، وللفاسق والغافل غير متوال، يصحبه حيناً ويفارقه حيناً في الفترة، فذلك الآخر أكثر إيماناً، فهذه هي الزيادة والنقص وفي هذا القول نظر، وقوله تعالى: { فزادهم إيماناً } لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة، ويتصور في الآية الجهات الأخر الثلاث، وروي أنه لما أخبر الوفد من عبد القيس رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حملهم أبو سفيان، وأنه ينصرف إليهم بالناس ليستأصلهم، وأخبر بذلك أيضاً أعرابي، شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } فقالوا واستمرت عزائمهم على الصبر ودفع الله عنهم كل سوء، وألقى الرعب في قلوب الكفار فمروا.
وقوله تعالى: { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } يريد في السلامة والظهور في اتباع العدو وحماية الحوزة، وبفضل في الأجر الذي حازوه والفضل الذي تجللوه، وباقي الآية بين قد مضت نظائره، هذا هو تفسير الجمهور لهذا الآية، وأنها غزوة -أحد- في الخرجة إلى حمراء الأسد وشذ مجاهدرحمه الله فقال: إن هذه الآية من قوله: { الذين قال لهم الناس } إلى قوله: { فضل عظيم } إنما نزلت في خروج النبي عليه السلام إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في - أحد - إذ قال: موعدنا بدر من العام المقبل، فقال النبي عليه السلام: قولوا نعم: فخرج رسول الله قبل بدر وكان بها سوق عظيم، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشاً قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا: { حسبنا الله ونعم الوكيل }، وصممو حتى أتوا بدراً فلم يجدوا عدواً ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدماً وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيداً وربحوا في تجارتهم، فذلك قوله تعالى: { بنعمة من الله وفضل } أي فضل في تلك التجارة، والصواب ما قاله الجمهور: إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد، وما قال ابن قتيبة وغيره: من أن لفظة { الناس } على رجل واحد من هذه الآية، فقول ضعيف.