التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً
٧١
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً
٧٢
وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً
٧٣
-النساء

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا خطاب للمخلصين من أمة محمد عليه السلام، وأمر لهم بجهاد الكفار، والخروج في سبيل الله، وحماية الشرع، و { خذوا حذركم } ، معناه: احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السلاح وغيره، و { انفروا } معناه: اخرجوا مجدين مصممين، يقال: نفر الرجل ينفِر بكسر الفاء نفيراً، ونفرت الدابة تنفُر بضم الفاء نفوراً، و { ثبات } معناه: جماعات متفرقات، فهي كناية عن السرايا و { جميعاً } ، معناه: الجيش الكثيف مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قال ابن عباس وغيره، والثبة: حكي أنها فوق العشيرة من الرجال، وزنها فعلة بفتح العين، أصلها ثبوة، وقيل: ثبية، حذفت لامها بعد أن تحركت وانقلبت ألفاً حذفاً غير مقبس، ولذلك جمعت ثبون، بالواو والنون عوضاً من المحذوف وكسر أولها في الجمع دلالة على خروجها عن بابها، لأن بابها أن تجمع بالتاء أبداً، فيقال: { ثبات }، وتصغر ثبية أصلها ثبيوة، وأما ثبة الحوض وهي وسطه الذي يثوب الماء إليه، فالمحذوف منها العين، وأصلها ثوبة وتصغيرها ثوبية، وهي من ثاب يثوب، وكذلك قال أبو علي الفارسي في بيت أبي ذؤيب: [الطويل]

فَلَمَّا جَلاها بالأَيامِ تَحَيَّزَتْ ثَبَاتٌ عَلَيْهَا ذلُّهَا واْكِتئَابُها

انه اسم مفرد ليس يجمع سيق على الأصل، لأن أصل ثبة ثبوة، تحركت بالواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً، فساقها أبو ذؤيب في هذه الحال.
وقوله تعالى: { وإن منكم } { إن } إيجاب، والخطاب لجماعة المؤمنين، والمراد بـ "من" المنافقون, وعبر عنهم بـ { منكم } إذ هم في عداد المؤمنين، ومنتحلون دعوتهم، واللام الداخلة على "من" لام التأكيد، ودخلت على اسم { إن } لما كان الخبر متقدماً في المجرور، وذلك مهيع في كلامهم، كقولك: إن في الدار لزيداً، واللام الداخلة على { يبطئن } لام قسم عند الجمهور، تقديره { وإن منكم لمن } والله { ليبطئن } وقيل: هي لام تأكيد، و { يبطئن } معناه: يبطىء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ مجاهد "ليبطئن" بالتخفيف في الطاء، و { مصيبة } يعني من قتل واستشهاد، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها، و { شهيداً } معناه مشاهداً فالمعنى: أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد.
وقوله تعالى: { ولئن أصابكم فضل من الله } الآية، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة، وقال: { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً } متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذراً واضحاً، وأمراً لا قدرة له معه، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة، ويعاهد على التزام كلف الإسلام، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين، فعلى هذا يجيء قوله تعالى: { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } التفاتة بليغة، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم. وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج، أنهما كانا يتأولان قول المنافق { يا ليتني كنت معهم } على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة، وقرأ الحسن { ليقولُن } بضم اللام على معنى "من" وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة، ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين فإنما كان يقصد الغنيمة، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين و { كأن } مضمنة معنى التشبيه، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر, وإنما تجيء بعدها الجمل، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص "تكن" بتاء، وقرأ غيرهما "يكن" بياء، وذل حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وقوله: { فأفوز } نصب بالفاء في جواب التمني، وقرأ الحسن ويزيد النحوي { فأفوز } بالرفع على القطع والاستئناف، التقدير: فأنا أفوز: قال روح: لم يجعل لـ " ليت" جواباً، وقال الزجّاج: إن قوله: { كأن لم يكن بينكم وبينه مودة } مؤخر. وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة.
قال القاضي أبو محمدرحمه الله : وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام.