التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠
وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
١١
وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ
١٢
لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
١٣
وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ
١٤
-الزخرف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه أوصاف فعل، وهي نعم من الله تعالى على البشر، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك بالله تعالى.
وقوله: { الذي جعل لكم } ليس من قول المسؤولين، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى.
وقرأ جمهور الناس: "مهاداً" وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: "مهداً"، والمعنى واحد، أي يتمهد ويتصرف فيها.
والسبل: الطرق. و: { تهتدون } معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، ويحتمل أن يريد: { تهتدون } بالنظر والاعتبار.
وقوله تعالى: { من السماء } هو المطر بإجماع، واختلف المتأولون في معنى قوله: { بقدر } فقالت فرقة معناه: بقضاء وحتم في الأزل. وقال آخرون المعنى: بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ولا قلة فيقصر، بل غيثاً مغيثاً سبيلاً نافعاً. وقالت فرقة معناه: بتقدير وتحرير، أي قدراً معلوماً، ثم اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: ينزل كل عام ماء قدراً واحداً لا يفضل عام عاماً، لكن يكثر مرة هنا ومرة هاهنا. وقالت فرقة: بل ينزل الله تقديراً ما في عام، وينزل في آخر تقديراً آخر بحسب ما سبق به قضاؤه، لا إله غيره. و: { أنشرنا } معناه: أحيينا، يقال: نشر الميت، وأنشره الله. و: { بلدة } اسم جنس، ووصفها بـ { ميتاً } دون ضمير من حيث هي واقعة موقع قطر ونحوه، إذ التأنيث فيها غير حقيقي.
وقرأ الجمهور: "ميْتاً" بسكون الياء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: "ميِّتاً" بياء مكسورة مشددة، وهي قراءة عيسى بن عمر، والأول أرجح لشبه لفظها: بزور، وعدل، فحسن وصف المؤنث بها.
وقرأ أكثر السبعة والأعرج وأبو جعفر: "كذلك تُخرَجون" بضم التاء وفتح الراء. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعبد الله بن جبير المصيح: "وكذلك تَخرُجون" بفتح التاء وضم الراء.
و: { الأزواج } الأنواع من كل شيء، و { من } في قوله: { من الفلك } للتبعيض، وذلك أنه لا يركب من الأنعام غير الإبل، وتدخل الخيل والبغال والحمير فيما يركب بالمعنى. واللام في قوله: { لتستووا } لام الأمر، ويحتمل أن تكون لام كي، و { ما } في قوله: { ما تركبون } واقعة على النوع المركوب، والضمير في: { ظهوره } عائد على النوع الذي وقعت عليه { ما }.
وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك، وهو:
{ { باسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم } } [هود: 41] وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان، ويقال (-) عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين. والسنة للراكب إذا ركب أن يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو على النعمة في كل حال، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { سبحان الذي } الآية، وركب أبو مجلز لاحق بن حميد وقال: "سبحان الله" الآية، ولم يذكر نعمة، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: ما هكذا أمرتم، قال أبو مجلز، فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أو نحو هذا، ثم تقول بعد ذلك: { سبحان الذي } الآية، وكان طاوس إذا ركب قال: اللهم هذا من منك وفضلك، ثم يقول: { سبحان الذي } الآية، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب: بـ { سبحان الذي سخر }، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه. والمقرن: الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له. وروي أن بعض الأعراب ركب جملاً فقيل له قل: { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } فقال: أما والله إني لمقرن تياه، فضرب به الجمل فوقصه فقتله.
وقوله: { وإنا إلى ربنا لمنقلبون } أمر بالإقرار بالبعث وترداد القول به، وذلك داعية إلى استشعار النظر فيه،
" وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ركب ولم يقل هذه الآية جاءه الشيطان فقال: تغنه، فإن اكن يحسن غنى، وإلا قال له تمنه، فيتمنى الأباطيل ويقطع زمنه بذلك" .