التفاسير

< >
عرض

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٥١
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر، و { تعالوا } معناه أقبلوا، وأصله من العلو فكأن الدعاء لما كان أمراً من الداعي استعمل فيه ترفيع المدعو، وتعالى هو مطاوع عالى، إذ تفاعل هو مطاوع فاعل. و { أتل } معناه اسردوا نص من التلاوة التي يصح هي اتباع بعض الحروف بعضا، و { ما } نصب بقوله { أتل } وهي بمعنى الذي، وقال الزجّاج أن يكون قوله { أتل } معلقاً عن العمل و { ما } نصب بـ { حرم }.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قلق و { أن } في قوله { أن لا تشركوا } يصح أن تكون في موضع رفع الابتداء التقدير، الأمر أن أو ذلك أن، ويصح أن تكون في موضع نصب على البدل من { ما } قاله مكي وغيره.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والمعنى يبطله فتأمله، ويصح أن يكون مفعولاً من أجله التقدير إرادة أن لا تشركوا به شيئاً، إلا أن هذا التأويل يخرج أن لا تشركوا من المتلو ويجعله سبباً لتلاوة المحرمات، و { تشركوا } يصح أن يكون منصوباً بـ { أن }، ويتوجه أن يكون مجزوماً بالنهي وهو الصحيح في المعنى المقصود، و { أن } قد توصل بما نصبته، وقد توصل بالفعل المجزوم بالأمر والنهي، و { شيئاً } عام يراد به كل معبود من دون الله، و { إحساناً } نصب على المصدر وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره وأحسنوا بالوالدين إحساناً والمحرمات تنفك من هذه المذكورات بالمعنى وهي الإشراك والعقوق وقرب الفواحش وقتل النفس وقال كعب الأحبار: هذه الآيات مفتتح التوراة { بسم الله الرحمن الرحمن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآية، وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة، وقد قيل إنها العشر الكلمات المنزلة على موسى، وإن اعترض من قال إن { تشركوا } منصوب بـ { أن } بعطف المجزومات عليه فلذلك موجود في كلام العرب، وأنشد الطبري حجة لذلك: [الرجز].

حج وأوصى بسليمى الأعْبُدا أن لا ترى ولا تكلمْ أحدا
ولا يزلْ شرابُها مبرَّدا

وقوله تعالى: { ولا تقتلوا أولادكم } الآية نهي عن عادة العرب في وأد البنات، والولد يعم الذكر والأنثى من البنين، و "الإملاق" الفقر وعدم المال، قاله ابن عباس وغيره، يقال أملق الرجل إذا افتقر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: ويشبه أن يكون معناه أملق أي لم يبق له إلا الملق كما قالوا أترب إذا لم يبق له إلا التراب وأرمل إذا لم يبق له إلا الرمل، والملق الحجارة السود واحدته ملقة، وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق، ويقال أملق بمعنى أنفقه، وذكر أن علياً قال لا مراة أملقي من مالك ما شئت وذكر النقاش عن محمد بن نعيم الترمذي أنه السرف في الإنفاق، وحكى أيضاً النقاش عن مؤرج أنه قال: الإملاق الجوع بلغة لخم.
وقوله تعالى: { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي، و"ظهر وبطن" حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء، وذهب بعض المفسرين إلى أن القصد بهذه الآية أشياء مخصصات، فقال السدي وابن عباس: { ما ظهر } هو زنا الحوانيت الشهير، و { ما بطن } هو متخذات الأخدان، وكانوا يستقبحون الشهير وحده فحرم الله الجميع، وقال مجاهد { ما ظهر } هو نكاح حلائل الآباء ونحو ذلك، و { ما بطن } هو الزنا إلى غير هذا من تخصيص لا تقوم عليه حجة، بل هو دعوى مجردة، وقوله تعالى: { ولا تقتلوا } الآية متضمنة تحريم قتل النفس المسلمة والمعاهدة، ومعنى الآية { إلا بالحق } الذي يوجب قتلها وقد بينته الشريعة وهو الكفر بالله وقتل النفس والزنا بعد الإحصان والحرابة وما تشعب من هذه، و { ذلكم } إشارة إلى هذه المحرمات، و "الوصية" الأمر المؤكد المقرر ومنه قول الشاعر: [الطويل]

أجدَّكَ لم تسمعْ وَصَاةَ محمَّدٍ نبيِّ الإلهِ حين أوصى وَأَشْهَدَا

وقوله { لعلكم } ترج بالإضافة إلينا أي من سمع هذه الوصية ترجى وقوع أثر العقل بعدها والميز بالمنافع والمضار في الدين.