التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ أي } استفهام، وهي معربة مع إبهامها، وإنما كان ذلك لأنها تلتزم الإضافة ولأنها تتضمن علم جزء من المستفهم عنه غير معين، لأنك إذا قلت أي الرجلين جاءنا فقد كنت تعلم أن أحدهما جاء غير معين فأخرجها هذان الوجهان عن غمرة الإبهام فأعربت، وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه { شيء } كما يقال عليه موجود، ولكن ليس كمثله تبارك وتعالى شيء، و { شهادة } نصب على التمييز ويصح على المفعول بأن يحمل { أكبر } علىالتشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذه الآية مثل قوله تعالى { { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } [الأنعام:12] في أن استفهم على جهة التوقيف والتقدير ثم بادر إلى الجواب إذ لا تتصور فيه مدافعة، وهذا كما تقول لمن تخاصمه وتتظلم منه من أقدر من في البلد ثم تبادر وتقول السلطان فهو يحول بيننا، ونحو هذا من الأمثلة، فتقدير الآية أنه قال لهم أي شيء أكبر شهادة الله أكبر شهادة، فهو شهيد بيني وبينكم، فـ { الله } رفع بالابتداء وخبره مضمر يدل عليه ظاهر الكلام كما قدرناه، و { شهيد } خبر ابتداء مضمر.
وقال مجاهد المعنى أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام: قل لهم: أي شيء أكبر شهادة؟ وقل لهم: الله شهيد بيني وبينكم لما عيوا عن الجواب، فـ { شهيد } على هذا التأويل خبر لله وليس في هذا التأويل مبادرة من السائل إلى الجواب المراد بقوله: { شهيد، بيني وبينكم } أي في تبليغي، وقرأت فرقة: "وأوحى إليّ هذا القرآن" على الفعل الماضي ونصب القرآن وفي "أوحى" ضمير عائد على الله تعالى من قوله { قل الله }، وقرأت فرقة "وأوحي" على بناء الفعل للمفعول "القرآن" رفعاً، { لأنذركم } معناه لأخوفكم به العقاب والآخرة، { ومن } عطف على الكاف والميم في قوله: { لأنذركم } و { بلغ } معناه على قول الجمهور بلاغ القرآن، أي لأنذركم وأنذر من بلغه، ففي بلغ ضمير محذوف لأنه في صلة من، فحذف لطول الكلام، وقالت فرقة ومن بلغ الحكم، ففي { بلغ } على هذا التأويل ضمير مقدر راجع إلى { من }، وروي في معنى التأويل الأول أحاديث، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يا أيها الناس بلغوا عني ولو آية، فإنه من بلغ آية من كتاب الله تعالى فقد بلغه أمر الله تعالى أخذه أو تركه" ، ونحو هذا من الأحاديث كقوله "من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره" وقرأت فرقة "أأينكم" بزيادة ألف بين الهمزة الأولى والثانية المسهلة عاملة بعد التسهيل العاملة قبل التسهيل وقرأت فرقة "أينكم" بهمزتين الثانية مسهلة دون ألف بينهما، وقرأت فرقة "أإنكم" استثقلت اجتماع الهمزتين فزادت ألفاً بين الهمزتين، وقرأت فرقة "أنكم" بالإيجاب دون تقدير وهذه الاية مقصدها التوبيخ وتسفيه الرأي. و { أخرى } صفة لآلهة وصفة جمع ما لا يعقل تجري في الإفراد مجرى الواحدة المؤنثة كقوله { { مآرب أخرى } [طه:18] وكذلك مخاطبته جمع ما لا يعقل كقوله: { يا جبال أوبي معه } ونحو هذا، ولما كانت هذه الآلهة حجارة وعيداناً أجريت هذا المجرى ثم أمره الله تعالى أن يعلن بالتبري من شهادتهم، والإعلان بالتوحيد لله عز وجل والتبري من إشراكهم، { وإنني } إيجاب ألحقت فيه النون التي تلحق الفعل لتبقى حركته عند اتصال الضمير به في قوله ضربني ونحوه، وظاهر الآية أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنه قد ورد من وجه لم يثبت صحته أنها نزلت في قوم من اليهود، وأسند إلى ابن عباس قال: جاء النحام بن زيد وفردم بن كعب وبحري بن عمرو، فقالوا: يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره؟ فقال لهم: لا إله إلا الله بذلك أمرت، فنزلت الآية فيهم.