التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في قوله { ومنهم } عائد على الكفار الذين تضمنهم قبل قوله { { يوم نحشرهم جميعاً } } [الأنعام:22] وأفرد { يستمع } وهو فعل جماعة حملاً على لفظ { من } و { أكنة } جمع كنان وهو الغطاء الجامع، ومنه كنانة السهام والكنّ، ومنه قوله تعالى: { { بيض مكنون } } [الصافات:49] ومنه قول الشاعر: [الطويل]

إذا ما انتَضَوْها في الوغى مِنْ أَكِنَّةٍ حَسِبْتَ بُروقَ الغَيْثِ هَاجَتْ غُيُومُها

وفعال وأفعلة مهيع في كلامهم و { أن يفقهوه } نصب على المفعول من أجله أي كراهية أن يفهموه، وقيل المعنى أن لا يفقهوه، ويلزم هذا القول إضمار حرف النفي، و { يفقهوه } معناه يفقهوه، ويقال فقِه الرجل بكسر القاف إذا فهم الشيء وفقُه بضمها: إذا صار فقيهاً له ملكة، وفقه إذا غلب في الفقه غيره، والوقر: الثقل في السمع، يقال وقرت أذنه ووقِرت بكسر القاف وفتحها، ومنه قول الشاعر: [الرمل]

وكلام سيّء وَقَرَتْ أُذُنِي وما بي مِنْ صَمَمْ

وقد سمع أذن موقورة فالفعل على هذا وقرت، وقرأ طلحة بن مصرف: "وِقراً" بكسر الواو كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقرت بالصمم كما توقر الدابة من الحمل وهي قراءة شاذة، وهذا عبارة عما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلط والبعد عن قبول الخير لا أنهم لم يكونوا سامعين لأقواله، وقوله تعالى: { وإن يروا كل آية } الآية، الرؤية هنا الرؤية العين يريد كانشقاق القمر وشبهه.
قال القاضي أبو محمد: ومقصد هذه الآية أنهم في أعجز درجة وحاولوا رد الحق بالدعوى المجردة والواو في قوله { وجعلنا } واو الحال والباب أن يصرح معها بقد، وقد تجيء أحياناً مقدرة، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال ومن هؤلاء الكفرة من يستمعك وهو من الغباوة في حد قلبه في كنان وأذنه صماء وهو يرى الآيات فلا يؤمن بها لكنه مع بلوغه الغاية من هذه القصور إذا جاء للمجادلة قابل بدعوى مجردة، والمجادلة المقابلة في الاحتجاج مأخوذ من الجدل، و { هذا } في قولهم إشارة إلى القرآن، والأساطير جمع أسطار كأقوال وأقاويل ونحوه، وأسطار جمع سطر وسطر، وقيل الأساطير جمع أسطارة وهي النزهات، وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة، وقيل هم اسم جمع لا واحد من لفظه كعبابيد وشماميط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وأبي عبد الله بن أبي أمية عن رستم والسندباد، ومجادلة الكفار كانت مرادّتهم نور الله بأفواههم المبطلة، وقد ذكر الطبري عن ابن عباس أنه مثل من ذلك قولهم: إنكم أيها المتبعون محمداً تأكلون ما قتلتم بذبحكم ولا تأكلون ما قتل الله، ونحو هذا من التخليط الذي لا تتركب منه حجة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا جدال في حكم، والذي في الآية إنما هو جدال في مدافعة القرآن، فلا تتفسر الآية عندي بأمر الذبح.