التفاسير

< >
عرض

وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٨١
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ
٨٢
وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٨٣
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية إلى { تعلمون } هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه، وهي حجته القاطعة لهم، المعنى: وكيف أخاف الأصنام التي لا خطب لها وهي حجارة وخشب إذا أنا نبذتها ولم أعظمها، ولا تخافون أنتم الله عز وجل وقد أشركتم به في الربوبية أشياء لم ينزل بها عليكم حجة، و "السلطان": الحجة، ثم استفهم على جهة التقرير { فأي الفريقين أحق بالأمن } أي من لم يشرك بالقادر العالم أحق أن يأمن وقوله تعالى: { الذين آمنوا } الآية، { الذين } رفع بالابتداء، و { يلبسوا } معناه يخلطوا، و"الظلم" في هذه الآية الشرك تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما ذلك كما قال لقمان: إن الشرك لظلم عظيم" وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه، فلبس رداءه ومر إلى أبي ابن كعب، فقال: يا أبا المنذر وسأله عنها، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين، فسري عن عمر، وجرى لزيد بن صوحان مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي الله عنهم، وقرأ مجاهد، "ولم يلبسوا إيمانهم بشرك" وقرأ عكرمة "يُلبسوا" بضم الياء، و { الأمن } رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر { أولئك } ، { وهم مهتدون } أي راشدون، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة، وقال عكرمة: نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة، وقالت فرقة: هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضاً أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في الإشراك، وقال ابن إسحاق وابن زيد وغيرهما: بل ذلك قول من الله عز وجل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ولكل مؤمن تقدم أو تأخر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن ورصفها، وهو خبر من الله تعالى { وتلك } إشارة إلى هذه الحدة المتقدمة وهي رفع بالابتداء و { حجتنا } خبره و { آتيناها } في موضع الحال، ويجوز أن تكون { حجتنا } بدلاً من تلك وآتيناها خبر "تلك"وإبراهيم" مفعول بـ "آتيناها", والضمير مفعول أيضاً بـ { آتيناها } مقدم و { على } متعلقة بقوله { حجتنا } وفي ذلك فصل كثير، ويجوز أن تتعلق على بـ " آتيناها" على المعنى إذ أظهرناها لإبراهيم على قومه ونحو هذا، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر "نرفع درجاتِ من نشاء" بإضافة الدرجات إلى { من } ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي "نرفع درجاتٍ من نشاء".
قال القاضي أبو محمد: وهما مأخذان من الكلام، والمعنى المقصود بهما واحد، و { درجات } على قراءة من نون نصب على الظرف، و { عليم حكيم } صفتان تليق بهذا الموضع إذ هو موضع مشيئة واختيار فيحتاج ذلك إلى العلم والإحكام، والدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية.