التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر، ويتصل المعنى بما قبله لأن القصد أن الله لا هذه الأصنام، وقال مجاهد وأبو مالك هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر ونواة التمر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والعبرة على هذا القول مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى، وليس لذلك وجه، وقال الضحاك وقتادة والسدي وغيرهما هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة، فسبحان الخلاق العليم، وقال الضحاك: { فالق } بمعنى خالق، وقال السدي وأبو مالك: { يخرج الحي من الميت } إشارة إلى إخراج النبات الأخضر والشجر الأخضر من الحب اليابس والنوى اليابس، فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة واليبس موتاً و { مخرج الميت من الحي } إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر، وقال ابن عباس وغيره، بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي، وكذلك سائر الحيوان والطير من البيض والحوت وجميع الحيوان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أرجح وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله: { فالق الحب والنوى } وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان فيهما معتبر، وقال الحسن: المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وقوله: { ذلك } ابتداء وخبر متضمن التنبيه، { فأنّى تؤفكون } أي تصرفون وتصدون و { فالق الإصباح } أي شاقه ومظهره، والفلق الصبح، وقرأ الجمهور "فالق الإصباح" بكسر الهمزة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعيسى بن عمر وأبو رجاء "فالق الإصباح" بفتح الهمزة جمع صبح، وقرأت فرقة "فالق الإصباح" بحذف التنوين "فالقُ" لالتقاء الساكنين، ونصب "الإصباحَ" بـ "فالقٌ" كأنه أراد "فالق الإصباح" بتنوين القاف، وهذه قراءة شاذة، وإنما جوز سيبويه مثل هذا في الشعر وأنشد عليها: [المتقارب]

فَألْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ وَلاَ ذاكِرَ الله إلاَّ قليلا

وحكى النحاس عن المبرد جواز ذلك في الكلام، وقرأ أبو حيوة وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب "فلق الإصباح" بفعل ماض، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر "وجاعل الليل" وقرأ عاصم وحمزة والكسائي "وجعل الليل"، وهذا لما كان "فالق" بمعنى الماضي فكأن اللفظ "فلق الإصباح" وجعل، ويؤيد ذلك نصب { الشمسَ والقمرَ }، وقرأ الجمهور "سكناً" وروي عن يعقوب "ساكناً" قال أبو عمرو الداني ولا يصح ذلك عنه، ونصبه بفعل مضمر إذا قرأنا "وجاعل" لأنه بمعنى المضي، وتقدير الفعل المضمر وجاعل الليل يجعله سكناً، وهذا مثل قولك هذا معطي زيد أمس درهماً، والذي حكاه أبو علي في هذا أن ينتصب بما في الكلام من معنى معطي، وقرأ أبو حيوة "والشمسِ والقمرِ" بالخفض عطفاً على لفظ "الليل" و { حسباناً } جمع حساب كشهبان في جمع شهاب، أي تجري بحساب، هذا قول ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد، وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد حسبان كحسبان إلى حي وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه.