التفاسير

< >
عرض

الۤمۤصۤ
١
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٣
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

تقدم القول في تفسير الحروف المقطعة التي في أوائل السورة وذكر اختلاف المتأولين فيها، ويختص هذا الموضع زائداً على تلك الأقوال بما قاله السدي: إن { آلمص } هجاء اسم الله هو المصور، وبقول زيد بن علي إن معناه أنا الله الفاضل.
وقوله تعالى: { كتاب أنزل إليك } الآية، قال الفراء وغيره { كتاب } رفع على الخبر للحروف، كأنه قال هذه الحروف كتاب أنزل إليك، ورد الزجّاج على هذا القول بما لا طائل فيه، وقال غيره: { كتاب } رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب و { أنزل إليك } في موضع الصفة لـ { كتاب }، ثم نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرم أو يستصحب من هذا الكتاب أو بسبب من أسبابه حرجاً، ولفظ النهي هو للحرج ومعناه للنبي عليه السلام، وأصل الحرج الضيق، ومنه الحرجة الشجر الملتف الذي قد تضايق، و "الحرج" ها هنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر، وبحسب سبب الحرج يفسر الحرج ها هنا، وتفسيره بالشك قلق، والضمير في { منه } عائد على الكتاب أي بسبب من أسبابه، و"من" ها هنا لابتداء الغاية، وقيل يعود على التبليغ الذي يتضمنه معنى الآية، وقيل على الابتداء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التخصيص كله لا وجه له إذ اللفظ يعم الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله وذلك يستغرق التبليغ والإنذار وتعرض المشركين وتكذيب المكذبين وغير ذلك.
وقوله تعالى: { فلا يكن في صدرك حرج منه } اعتراض في أثناء الكلام، ولذلك قال بعض الناس إن فيه تقديماً وتأخيراً، وقوله { لتنذر } اللام متعلقة بـ { أنزل }. وقوله { وذكرى } معناه تذكرة وإرشاد، و { ذكرى } في موضع رفع عطفاً على قوله { كتاب }. فالتقدير هذه الحروف كتاب وذكرى، وقيل رفعه على جهة العطف على صفة الكتاب فالتقدير هذه الحروف كتاب منزل إليك وذكرى، فهي عطف على منزل داخلة في صفة الكتاب، وقيل { ذكرى } في موضع نصب بفعل مضمر تقديره لتنذر به وتذكر ذكرى للمؤمنين، وقيل نصبها على المصدر وقيل { ذكرى } في موضع خفض عطفاً على قوله { لتنذر } أي لإنذارك وذكرى.
وقوله تعالى: { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } الآية، قال الطبري وحكاه: التقدير قل اتبعوا فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه، وقالت قوله اتبعوا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن يكون أمراً لجميع الناس أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وقرأ الجحدري "ابتغوا ما أنزل"، من الابتغاء، وقرأ مجاهد "ولا تبتغوا" من الابتغاء أيضاً، وقوله { أولياء } يريد كل ما عبد واتبع من دون الله كالأصنام والأحبار والكهان والنار والكواكب وغير ذلك، والضمير في قوله { من دونه } راجع على { ربكم } ، هذا أظهر وجوهه وأبينها، وقيل يعود على قوله { اتبعوا ما } ، وقيل يعود على الكتاب المتقدم الذكر، و { قليلاً } نعت لمصدر نصب بفعل مضمر، وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده، قال الفارسي و { ما } في قوله { ما تذكرون } موصولة بالفعل وهي مصدرية، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر "تذّكّرون" بتشديد الذال والكاف، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص "تَذّكرون" بتخفيف الذال وتشديد الكاف، وقرأ ابن عامر "يتذكرون" بالياء كناية عن غيب، وروي عنه أنه قرأ "تتذكرون" بتاءين على مخاطبة حاضرين.