التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
٢٩
فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٠
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

تضمن قوله { قل أمر ربي بالقسط } أقسطوا ولذلك عطف عليه قوله { وأقيموا } حملاً على المعنى، و "القسط" العدل والحق واختلف المتأولون في قوله { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } فقيل أراد إلى الكعبة قاله مجاهد والسدي والمقصد على هذا شرع القبلة والأمر بالتزامها، وقيل أراد الأمر بإحضار النية لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول وجهت وجهي لله قاله الربيع.
قال القاضي أبو محمد: فلا يؤخذ الوجه على أنه الجارحة بل هو المقصد والمنزع، وقيل: المراد بهذا اللفظ إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض، أي حيث ما كنتم فهو مسجد لكم تلزمكم عند الصلاة إقامة وجوهكم فيه الله عز وجل، قال قوم: سببها أن قوماً كانوا لا يصلون إلا في مساجدهم في قبلتهم، فإذا حضر الصلاة في غير ذلك من المساجد لم يصلّوا فيها، وقوله { مخلصين } حال من الضمير في { وادعوه } ، و { الدين } مفعول بـ { مخلصين }.
قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وابن عباس ومجاهد: المراد بقوله: { كما بدأكم تعودون } الإعلام بالبعث أي كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت فالوقف على هذا التأويل { تعودون } ، و { فريقاً } نصب بـ { هدى } ، والثاني منصوب بفعل تقديره: وعذب فريقاً أو أضل "فريقاً حق عليهم"، وقال ابن عباس أيضاً وأبو العالية ومحمد بن كعب ومجاهد أيضاً وسعيد بن جبير والسدي وجابر بن عبد الله وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم: المراد بقوله { كما بدأكم تعودون } الإعلام بأن أهل الشقاء والكفر في الدنيا الذين كتب عليهم هم أهل الشقاء في الآخرة وأهل السعادة والإيمان الذين كتب لهم في الدنيا هم أهلها في الآخرة لا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء، فالوقف في هذا التأويل في قوله { تعودون } غير حسن، و { فريقاً } على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول، وفي قراءة أبي بن كعب "تعودون فريقين فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة"، والضمير في { إنهم } عائد على الفريق الذين حق عليهم الضلالة، و { أولياء } معناه: أنصاراً وأصحاباً وإخواناً، { ويحسبون } معناه يظنون يقال: حسبت أحسب حسباناً وحسباً ومحسبة، قال الطبري: وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أن الله تعالى لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب، وقرأ العباس بن الفضل وسهل بن شعيب وعيسى بن عمر "أنهم اتخذوا" بفتح الألف.