التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨٥
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨٦
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قيل في { مدين } إنه اسم بلد وقطر، وقيل اسم قبيلة، وقيل هم من ولد "مدين" بن إبراهيم الخليل، وروي أن لوط عليه السلام هو جد شعيب لأمه، وقال مكي كان زوج بنت لوط، ومن رأى { مدين } اسم رجل لم يصرفه لأنه معرفة أعجمي، ومن رآه اسماً للقبيلة أو الأرض فهو أحرى ألا يصرف، وقوله: { أخاهم } منصوب بقوله { { أرسلنا } [الأعراف:59] في أول القصص، وهذا يؤيد أن { { لوطاً } [الأعراف:80] به انتصب، وأن اللفظ مستمر، وهذه الأخوة في القرابة، وقد تقدم القول في { غيره } وغيره، والبينة إشارة إلى معجزته وإن كنا نحن لم ينص لنا عليها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "قد جاءتكم آية من ربكم" مكان { بينة } وقوله: { فأوفوا الكيل } أمر لهم بالاستقامة في الإعطاء وهو بالمعنى في الأخذ والإعطاء، وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمن وفحشت مع كفرهم الذي نالتهم الرجفة بسببه و { تبخسوا } معناه تظلموا. ومنه قولهم: تحسبها حمقاء وهي باخس أي ظالمة خادعة، و { أشياءهم } يريد أموالهم وأمتعتهم مما يكال أو يوزن، وقوله: { ولا تفسدوا } لفظ عام دقيق الفساد وجليله، وكذلك الإصلاح عام والمفسرون نصوا على أن الإشارة إلى الكفر بالفساد، وإلى النبوءات والشرائع بالإصلاح، وقوله: { ذلك خير لكم } أي نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان.
وقوله: { ولا تقعدوا بكل صراط } الآية، قال السدي هذا نهي عن العشارين والمتقبلين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل، والصراط: الطريق وذلك أنهم كانوا يكثرون من هذا لأنه من قبيل: خسهم ونقصهم الكيل والوزن، وقال أبو هريرة رضي الله عنه، وهو نهي عن السلب وقطع الطريق، وكان ذلك من فعلهم روي في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وما تقدم قبل من النهي في شأن المال في الموازين والأكيال والنحس يؤيد هذين القولين ويشبههما، وفي هذا كله توعد للناس إن لم يتركوا أموالهم وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي أيضاً، قوله: { ولا تقعدوا } نهي لهم عما كانوا يفعلونه من رد الناس عن شعيب، وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت قريش تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وما بعد هذا من ألفاظ الآية يشبه هذا القول، وقوله تعالى: { وتصدون عن سبيل الله من آمن } الآية المعنى وتفتنون من آمن وتصدونه عن طريق الهدى و { سبيل الله } المفضية إلى رحمته، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على اسم الله وأن يعود على شعيب في قول من رأى القعود على الطرق للرد عن شعيب، وأن يعود على السبيل في لغة من يذكر "السبيل" وتقدم القول في مثل قوله: { وتبغونها عوجاً } في صدر السورة، وقال أبو عبيدة والزجاج كسر العين في المعاني وفتحها في الأجرام، ثم عدد عليهم نعم الله تعالى وأنه كثرهم بعد قلة عدد، وقيل: أغناهم بعد فقر، فالمعنى على هذا: إذ كنتم قليلاً قدركم، ثم حذرهم ومثل لهم بمن امتحن من الأمم السابقة.