التفاسير

< >
عرض

وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٢
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٦٣
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٤
-الأنفال

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في قوله { وإن يريدوا } عائد على الكفار الذين قيل فيهم، { { وإن جنحوا } [الأنفال:61] وقوله: { وإن يريدوا أن يخدعوك } يريد بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة، { فإن حسبك الله } أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهاراً، وهذا وعد محض، و { أيدك } معناه قواك، { وبالمؤمنين } يريد بالأنصار بقرينة قوله { وألف بين قلوبهم } الآية، وهذه إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث فألف الله تعالى قلوبهم على الإسلام وردهم متحابين في الله، وعددت هذه النعمة تأنيساً لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي كما لطف بك ربك أولاً فكذلك يفعل آخراً، وقال ابن مسعود: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله إذا تراءى المتحابان فتصافحا وتضاحكا تحاتت خطاياهما، فقال له عبدة بن أبي لبابة إن هذا ليسير، فقال له لا تقل ذلك فإن الله يقول { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءاً من ذلك لساغ ذلك، وكل تألف في الله فتابع لذلك التألف الكائن في صدر الإسلام، وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
" المؤمن مألفة لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" .
قال القاضي أبو محمد: والتشابه هو سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه، وقوله تعالى: { يا أيها النبي أحسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } قال النقاش: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج خاصة، قال ويقال إنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين، قاله ابن عمر وأنس، فهي على هذا مكية، و { حسبك } في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك، والمحسب الكافي، وقالت فرقة: معنى هذه الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين، فـ { من } في هذا التأويل رفع عطفاً على اسم الله عز وجل، وقال عامر الشعبي وابن زيد: معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، فـ { من } في هذا التأويل في موضع نصب عطفاً على موضع الكاف، لأن موضعها نصب على المعنى ليكفيك التي سدَّت { حسبك } مسدَّها، ويصح أن تكون { من } في موضع خفض بتقدير محذوف كأنه قال وحسب وهذا كقول الشاعر: [المتقارب]

أكلُّ امرىءٍ تحسبين امرأً ونار توقَّدُ بالليلِ نارا

التقدير وكل نار، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بابه ضرورة الشعر، ويروى البيت وناراً، ومن نحو هذا قول الشاعر: [الطويل]

إذا كانت الهيجاءُ وانشقَّت العصا فحسبُك والضحَّاكُ سيف مهند

يروى "الضحاك" مرفوعاً والضحاك منصوباً والضحاك مخفوضاً فالرفع عطف على قوله سيف بنية التأخير كما قال الشاعر:

عليك ورحمة الله السلام

ويكون "الضحاك" على هذا محسباً للمخاطب، والنصب عطفاً على موضع الكاف من قوله "حسبك" والمهند على هذا محسب للمخاطب، والضحاك على تقدير محذوف كأنه قال فحسبك الضحاك.