التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٢٠
وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢١
-التوبة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة لها على التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه، وقوة الكلام تعطي الأمر بصحبته إلى توجهه غازياً وبذل النفوس دونه، واختلف المتأولون فقال قتادة: كان هذا الإلزام خاصاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب النفر إلى الغزو إذا خرج هو بنفسه ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء، وقال زيد بن أسلم: كان هذا الأمر والإلزام في قلة الإسلام والاحتياج إلى اتصال الأيدي ثم نسخ عند قوة الإسلام بقوله: { { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } } [التوبة: 112].
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدو على الدخول في الإسلام، وأما إذا ألم العدو بجهة فمتعين على كل أحد القيام بذبه ومكافحته، وأما قوله تعالى { ولا يرغبوا بأنفسهم } فمعناه أن لا يحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله مشقة ويجود بنفسه في سبيل الله فيقع منهم شح على أنفسهم ويكعون عما دخل هو فيه، ثم ذكر تعالى لِمَ لَمْ يكن لهم التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: { ذلك بأنهم } ..الآية و" النصب " التعب. ومنه قول النابغة: [الطويل]

كليني لهم يا أميمة ناصبِ

أي ذي نصب. ومنه قوله تعالى: { { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } [الكهف: 62] و" المخمصة" مفعلة من خموص البطن وهي ضموره، واستعير ذلك لحالة الجوع إذ الخموص ملازم له، ومن ذلك قول الأعشى: [ الطويل ]

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم غرثى يبتنَ خمائصا

ومنه أخمص القدم والخمصانة من النساء، وقوله تعالى { ولا يطؤون موطئاً } أي ولا ينتهون من الأرض منتهى مؤذياً للكفار، وذلك هو الغائظ ومنه في المدونة كنا لا نتوضأ من موطىء من قول ابن مسعود، وقوله تعالى: { ولا ينالون من عدو نيلاً } لفظ عام لقليل ما يصنعه المؤمنون بالكفرة من أخذ مال أو إيراد هوان وكثيره، والنيل مصدر نال ينال وليس من قولهم نلت أنوله نولاً ونوالاً وقيل هو منه، وبدلت الواو ياء لخفتها هنا وهذا ضعيف، والطبري قد ذكر نحوه وضعفه وقال ليس ذلك المعروف من كلام العرب، وقوله { ولا ينفقون } الآية، قدم الصغيرة للاهتمام أي إذا كتبت الصغيرة فالكبيرة أحرى، و" الوادي " ما بين جبلين كان فيه ماء أو لم يكن، وجمعه أودية، وليس في كلام العرب فاعل وأفعلة إلا في هذا الحرف وحده، وفي الحديث " ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعداً إلا ازدادوا من الله قرباً " .