التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٩٨
وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٩
-التوبة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا نص من المنافقين منهم، ومعنى { يتخذ } في هذه الآيات أي يجعل مقصده ولا ينوي فيه غير ذلك، وأصل " المغرم " الدين، ومنه تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغرم والمأثم، ولكن كثر استعمال المغرم فيما يؤديه الإنسان مما لا يلزمه بحق، وفي اللفظ معنى اللزوم، ومنه قوله تعالى: { { إن عذابها كان غراماً } [الفرقان: 65] أي مكروهاً لازماً،و { الدوائر } المصائب التي لا مخلص للإنسان منها فهي تحيط به كما تحيط الدائرة، وقد يحتمل أن تشتق من دور الزمان، والمعنى ينتظر بكم ما تأتي به الأيام وتدور به، ثم قال على جهة الدعاء { عليهم دائرة السوء } وكل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز وجل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء، لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته ومن هذا، { { ويل لكل همزة لمزة } [ الهمزة:1] وللمطففين، فهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى، وقرأ الجمهور من السبعة وغيرهم " دائرة السَّوء" بفتح السين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن واختلف عنه عاصم والاعمش بخلاف عنهما " دائرة السُّوء" بضم السين، واختلف عن ابن كثير، وقيل الفتح المصدر والضم الاسم، واختلف الناس فيهما وهو اختلاف يقرب بعضه من بعض والفتح في السين يقتضي وصف الدائرة بأنها سيئة، وقال أبو علي معنى الدائرة يقتضي معنى السوء فإنما هي إضافة بيان وتأكيد كما قالوا شمس النهار ولحيا رأسه.
قال القاضي أبو محمد : ولا يقال رجل سَوء بفتح السين، هذا قول أكثرهم وقد حكي " رجل سُوء " بضم السين وقد قال الشاعر [الفرزدق ]: [الطويل]

وكنت كذئبِ السَّوْءِ لما رأى دماً بصاحبه يوماً أحال على الدم

ولم يختلف القراء في فتح السين من قوله { { ما كان أبوك امرأ سوء } [مريم:28] وقوله تعالى: { ومن الأعراب من يؤمن بالله } الآية، قال قتادة: هذه ثنية الله تعالى من الأعراب، و { يتخذ } في هذه الآية أيضاً هي بمعنى يجعله مقصداً، والمعنى ينوي بنفقته في سبيل الله القربة عند الله عز وجل واستغنام دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي دعائه لهم خير الآخرة في النجاة من النار وخير الدنيا في أرزاقهم ومنح الله لهم، فـ { صلوات } على هذا عطف على { قربات } ، ويحتمل أن يكون عطفاً على ما ينفق، أي ويتخذ بالأعمال الصالحة صلوات الرسول قربة، والأولى أبين، و { قربات } جمع قرْبة أو قرُبه بسكون الراء وضمها وهما لغتان و" الصلاة" في هذه الآية الدعاء إجماعاً.
وقال بعض العلماء: الصلاة من الله رحمة ومن النبي والملائكة دعاء، ومن الناس عبادة، والضمير في قوله { إنها } يحتمل أن يعود على النفقة وهذا في انعطاف { الصلوات } على { القربات }، ويحتمل أن يعود على { الصلوات } وهذا في انعطافه على ما ينفق، وقرأ نافع " قرُبة" بضم الراء، واختلف عنه وعن عاصم والأعمش، وقرأ الباقون" قرْبة" بسكون الراء ولم يختلف { قربات }، ثم وعد تعالى بقوله { سيدخلهم الله في رحمته } الآية، وروي أن هذه الآية نزلت في بني مقرن من مزينة وقاله مجاهد، وأسند الطبري إلى عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن أنه قال: كنا عشرة ولد مقرن، فنزلت فينا { ومن الأعراب من يؤمن بالله } إلى آخر الآية.
قال القاضي أبو محمد : وقوله عشرة ولد مقرن يريد الستة أولاد مقرن لصلبة أو السبعة على ما في الاستيعاب من قول سويد بن مقرن، وبنيهم لأن هذا هو الذي في مشهور دواوين أهل العلم.