قوله تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياءً } قرأ الأكثرون: «ضياءً» بهمزة واحدة. وقرأ ابن كثير: «ضئاءً» بهمزتين في كل القرآن، أي: ذات ضياء. { والقمر نوراً } أي: ذات نور. { وقدَّره منازلَ } أي: قدَّر له، فحذف الجار، والمعنى: هيَّأ ويسَّر له منازل. قال الزجاج: الهاء ترجع إِلى «القمر» لأنه المقدّر لعلم السنين والحساب. وقد يجوز أن يعود إِلى الشمس والقمر، فحذف أحدهما اختصاراً. وقال الفراء: إن شئتَ جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة، لأن به تُعلمَ الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما، فاكتفي بذكر أحدهما من صاحبه، كقوله:
{ { واللهُ ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه } [التوبة 62]. قال ابن قتيبة: منازل القمر ثمانية وعشرون منزلاً من أول الشهر إلى ثماني وعشرين ليلة، ثم يستسرُّ. وهذه المنازل، هي النجوم التي كانت العرب تنسب إِليها الأنواء، وأسماؤها عندهم: الشِّرََطان، والبُطَيْن، والثُّرَيَّا، والدَّبَرَان، والهَقْعة، والهَنْعة، والذِّراع، والنَّثْرة، والطَّرْفُ، والجبهة، والزُّبْرة، والصَّرْفة، والعَوَّاء، والسِّماك، والغَفْر، والزُّبَانَى، والإِكليل، والقلب، والشَّوْلَة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذَّابح، وسعد بُلَعْ، وسعد السُّعود، وسعد الأخبية، وفَرْغ الدَّلو المقدَّم، وفرغ الدلو المؤخَّر، والرِّشاء وهو الحوت. قوله تعالى: { ما خلق الله ذلك إِلا بالحق } أي: للحق، من إِظهار صنعه وقدرته والدليل على وحدانيته. { يفصِّل الآيات } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «يفصِّل» بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «نفصِّل الآيات» بالنون، والمعنى: نُبَيِّنُها. { لقوم يعلمون } يستدلُّون بالأمارات على قدرته.
قوله تعالى: { لآيات لقوم يتقون } فيه قولان: أحدهما: يتقون الشرك. والثاني: عقوبةَ الله. فيكون المعنى: إِن الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق.
قوله تعالى: { لا يرجون لقاءَنا } قال ابن عباس: لا يخافون البعث. { ورضُوا بالحياة الدنيا } اختاروا ما فيها على الآخرة. { واطمأنُّوا بها } آثروها. وقال غيره: ركنوا إِليها، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. { والذين هم عن آياتنا غافلون } فيها قولان:
أحدهما: أنها آيات القرآن ومحمد، قاله ابن عباس.
والثاني: ما ذكره في أول السورة من صنعه، قاله مقاتل. فأما قوله: { غافلون } فقال ابن عباس: مكذِّبون. وقال غيره: مُعْرِضون. قال ابن زيد: وهؤلاء هم الكفار.
قوله تعالى: { بما كانوا يكسبون } قال مقاتل: من الكفر والتكذيب.
قوله تعالى: { يهديهم ربهم بأيمانهم } فيه أربعة أقوال: أحدها: يهديهم إِلى الجنة ثواباً بإيمانهم. والثاني: يجعل لهم نوراً يمشون به بإيمانهم. والثالث: يزيدهم هدى بإيمانهم. والرابع: يثيبهم بإيمانهم. فأما الهداية، فقد سبقت لهم.
قوله تعالى: { تجري من تحتهم الأنهار } أي: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو.
قوله تعالى: { دعواهم فيها } أي: دعاؤهم. وقد شرحنا ذلك في أول [الأعراف: 5].
وفي المراد بهذا الدعاء قولان:
أحدهما: أنه استدعاؤهم ما يشتهون. قال ابن عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئاً، قالوا: { سبحانك اللهم } فيأتيهم ما يشتهون؛ فاذا طعموا، قالوا: { الحمد لله رب العالمين } فذلك آخر دعواهم. وقال ابن جريج: إِذا مرَّ بهم الطير يشتهونه، قالوا: { سبحانك اللهم } فيأتيهم المَلَكُ بما اشتَهَوْا، فيسلِّم عليهم، فيردُّون عليه: فذلك قوله: { وتحيتهم فيها سلام }. فإذا أكلوا، حمِدوا ربهم؛ فذلك قوله: { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }.
والثاني: أنهم إِذا أرادوا الرغبة إِلى الله تعالى في دعاءٍ يدعونه به، قالوا: { سبحانك اللهم }، قاله قتادة.
قوله تعالى: { وتحيتهم فيها سلام } فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحية بعضهم لبعض، وتحيَّة الملائكة لهم، قاله ابن عباس. والثاني: أن الله تعالى يُحَيِّيهم بالسلام. والثالث: أن التحية: المُلْك، فالمعنى: مُلكهم فيها سالم، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: { وآخر دعواهم } أي: دعاؤهم وقولهم: { أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين } قرأ أبو مجلز، وعكرمة، ومجاهد، وابن يعمر، وقتادة، ويعقوب: «أنَّ الحمدَ لله» بتشديد النون ونصب الدال. قال الزجاج: أعلم الله أنهم يبتدؤون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه. وقال ابن كيسان: يفتتحون كلامهم بالتوحيد، ويختمونه بالتوحيد.